” دموع بائسة ” سلسلة قصص من وحي الواقع للكاتب “حميد لحرايشي”
الشاملة بريس: الكاتب- لحرايشي حميد
ترقبوا كل أسبوع سلسلة قصص من وحي الواقع للكاتب “حميد لحرايشي” على جريدة الشاملة بريس (02)
نظر حسن إلى أمه وقبل يدها قبلة طويلة ورأسها ثم استدار نحو اخته وأوصاها أن تعتني بها ،ثم خرج من المنزل ،مهرولا ،يحمل كيسا صغيرا في يده ،ما إن وصل إلى عتبة الباب حتى انطلق كالحصان ،لم يلتفت إلى المارة ولا إلى أي شيء ،أمر ما يستعجله ،نادته أخته بصوت عال فيه نبرة من بكاء :”يا أخي حسن ،لا تنس أمي” ،سمع صوتها وأحس في قلبه بخفقان شديد ،أكمل عدوه من دون تعليق ،في لحظة ،شيء ما في ذهنه استوقفه وكبح لجامه ،مكث برهة يفكر ،ذرف دموعه على خديه ،كانت دموعا عصية ،حاول أن يكفكفها ولكن هيهات ،انتبه إليه احد المارة ،سأله :”ما بك يا أخي ؟” نظر إليه حسن بعينين مغرورقتين بالدموع ،هم أن يحكي ما به لهذا الرجل الغريب ،ربما يجد له حلا ،ربما تنزاح عنه هذه الغمة ،لم يستطع ،في حنجرته غصة تكاد تخنقه ،ماذا يفعل ،أمه تنتظره ليعود إليها بالمطلوب ،تابع عدوه ،وصل محطة الحافلة التي ستوصله إلى السوق الأسبوعي سيدي بوزكري ،أقلها من دون أن يحجز تذكرة الذهاب ،في منتصف الطريق ،جاءه المراقب وطلب منه التذكرة :”لا املك تمنها ” أجابه المراقب :”ذلك لا يهمني ما أنا إلا عيد مأمور ،ستدفع ثمن التذكرة أو سآخذك إلى مخفر الشرطة ” لم يتمالك نفسه من جديد فأجهش بالبكاء ،رق المراقب لحاله ،اقترب منه :”ما بك ؟” ،حكى له سبب ركوبه الحافلة ،صدقه المراقب ،طبطب على كتفيه :”ستفرج بإذن الله “.
وصل حسن إلى السوق ،أخرج من كيسه سروالا وضعه على ذراعه الأيسر وقميصا على ذراعه الأيمن ،ثم تضرع إلى الله ، ربما ثمنهما يفي بالغرض .انتظر ثلاث ساعات أو يزيد ،لم يعره أحد انتباهه أو يسأله عن ثمنهما ،تتصارع الأفكار في رأسه ،ما العمل ،أمه بحاجة إليه تنتظره ،مصيرها بيد الله ثم بيده ،أعياه الاقتراض ،لم يعد قادرا على استجداء أحد ،أأتسول ؟أهكذا تخذلني الحياة في مقتبل عمري ؟ما هذا الامتحان القذر الذي فرضته علي ظروف العيش البائس ؟ أأسرق و أجز بنفسي في السجن وتضيع مني دراستي التي طالما تعست وتعبت أمي من أجل أن أستمر فيها؟ هي أملها الوحيد في .قلبه ينفطر ،دماغه تكاد تنفجر ،رأى زبونا يعد نقودا لأحد الباعة ،ورجا الله أن لا يخيب أمله ،وفي لحظة أغلقت أبواب التفكير ،وفتحت أبواب الضرورة الملحة في إنقاذ أمه من براثن الموت ،انتشل المال من يد الرجل كما ينتشل النسر فريسته، وعدا كالريح لا يرى شيئا حوله ،ولا يسمع إلا صوت دقات قلبه يرتجف من شدة الخوف وصوت الرجل ينادي :”سارق ،سارق ” لكمه أحد المارة وأسقطه أرضا ،اقتيد بعدها من طرف الشرطة إلى المخفر ،حرر في قضيته محضر بالسرقة مع الشهود ،امتنع عن ذكر السبب الذي دفعه للسرقة ،بات في المعتقل الليل كله وهو يبكي ويفكر في أمر أمه المريضة بالربو ،في صباح اليوم الموالي عرض على أنظار القاضي الذي عرف بأنه طالب في العشرين من عمره بكلية الحقوق يتيم الأب له أخت تصغره بأربع سنوات وأم تحتضر لعدم توفرها على الدواء .
اعترف بالمنسوب إليه ،وذكر قصته كاملة ،ظن القاضي انه يستعطفه باختلاقها كعادة باقي اللصوص ،وقبل ان يتفوه بقراره سمع صوت أخت حسن باكية وهي تقول :”لماذا سرقت يا أخي ؟أمي كدحت لأجلنا سنوات بعد موت أبي ،وكانت تفضل الموت على أن تعالج بالمال الحرام ،لقد ماتت أمي يا أخي ، انتظرت منك الدواء كثيرا ،وغدت ترجو رؤيتك وعودتك سالما ولو من دون دواء ،ماتت وفي قلبها حرقة الفقر والمرض وحرقة غيابك “.سمع المدعي هذا الكلام وقال وهو يبكي :”لماذا لم تخبرني منذ البداية بذلك يا بني ؟” ثم استسمج القاضي ،الذي طأطأ رأسه ،وتنازل عن ماله لحسن ،وكتب التزاما يتعهد فيه بأن يتكفل بنفقة عيشه ومعه أخته حتى يحدث الله أمرا .