رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن صناعة النجاح

الشاملة بريس: بقلم \ الكاتب والمفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد اللطيف

نائب رئيس جامعة بيرشام الدولية بإسبانيا والرئيس التنفيذي، والرئيس التنفيذى لجامعة سيتي بمملكة كمبوديا

مما لا شك فيه أنَّ كلَّ إنسان يحبُّ أن يكونَ ناجحًا وسعيدًا، وله شأنٌ وذِكْر بين الناس؛ لكنَّه أحيانًا يَجْهَل الطَّريق إلى ذلك.

وما سأقولُه الآن هو نابِعٌ مِن تجربة عشتُها، ولا زلتُ أعيشها، وليستْ معلومات نظريَّة قرأتُها وحفِظْتها، وأعتقد أنَّ أيَّ نجاحٍ لا بُدَّ له مِن خطوات كثيرة، أُلَخِّصها في ثلاث:

1- تحديد الهدف.

2- الترتيب والتَّنظيم.

3- التَّنويع والتَّغيير.

وكلُّ خطوة مبنيَّة على التي قبلها، وهي تشرحها وتبينها.

أولاً: تحديد الهدف

أول قاعدة وأهمها هي: “ابدأ والنِّهاية في ذهنكَ“.

أيُّ عَمَل لا هَدَف له، عَمَل مَبْتُور، وهو عَبَث، ولا يكفي أن تحدِّد هدفكَ ثم تنام عنه؛ بل لا بد من أن تعيشَه لحظةً بلحظة، وكم هو جميل أن تُسَجِّلَه على ورقة أو دفتر، وتنظر إليه كل يوم، وأن تكونَ واثقًا من قدرتكَ على تحقيقه.

ومُعَلِّم البشريَّة سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – قد عَلَّمَنا ذلك، وأوضح مثال يوم كان يحفُر الخندق مع أصحابه، حيث كان المسلمون في أَحْلَكِ الظروف وأصعبها وقتها، ومع ذلك كان – عليه الصلاة والسلام – يقول مع كل ضربة بمعوله في حفر الخندق: ((الله أكبر، فتحت فارس، الله أكبر، فُتحتِ الروم))، وهذا ما جَعَلَ أحد المنافقين يَسْخر قائلاً: إن أحدنا لا يستطيع قضاء حاجته، وهو يخبرنا بفتح فارس والروم.

والأهداف ثلاثة:

1- هدف قريب بعيد.

2- أهداف قريبة.

3- أهداف بعيدة.

أولاً: أما الهدف القريب البعيد، فهو واحد لا ثاني له:

رضا الله والجنة”، وقد عَلَّمَنا سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – هذا الدعاء: ((اللَّهُمَّ إنا نسألك رضاكَ والجنة))، وهو هَدَفٌ تَهُون عنده المصائِب والمتاعِب، وهو ما يُمَيِّزنا – نحن المسلمين – عن غيرنا ممن تاهوا وضاعوا؛ لأنَّهم لا يعرفون هذا الهدف، وانتهى بهمُ المطاف إلى الانتحار، وقَتْل النَّفس، أوِ المُعَانَاة منَ الأمراض النَّفسيَّة، منَ الاكتئاب إلى القلق، مُرُورًا بالهَمِّ والغَمِّ.

2 – الأهداف القريبة:

وهي وليدةُ اللَّحظة والساعة التي تعيشها، كأن تهدف الذهاب إلى المدرسة لتَتَعَلَّمَ مثلاً، أو أن تذهبَ إلى النادي لِمُمَارَسة الرياضة، أو أن تذهبَ إلى السوق للتَّسَوُّق، أو تذهب إلى العمل لكَسْب الرِّزْق، ولا يوجد أحدٌ يذهب إلى أيِّ مكان دون تحديد هدف ما، إلاَّ أُصيب بالمَلَلِ والإِحْباط.

وكم مِن مرَّة كنتُ أشعر فيها بالمَلَل، فأخرج إلى الطريق لأجد التَّسْلِية والتَّرْفيه، فأُصاب بِمَلَلٍ أكبر وإحباط أشد؛ لأنَّ الهَدَف غير مُحَدَّد.

3 – الأهداف البعيدة:

هي التي تسعى لتحقيقها مُسْتَقْبلاً فيما يخصُّ حياتكَ الدُّنيا، وقد تستمر إلى ما بعد مماتكَ.

وهذه الأهداف لا بُدَّ أن تكونَ واقعيَّة، وتنبع مِن مجال عملكَ واختصاصك؛ ولا بدَّ أن تكونَ مُبْدعًا ومُمَيزًا فيها.

الطالب في المدرسة: هدفه أن يكونَ الأول بين الطلاب، وأن يحصلَ على أعلى قدر منَ الدرجات والمعلومات.

المُعَلِّم: هدفُه أن يَتَمَيَّزَ وأن يطوِّرَ نفسه يومًا بعد يوم؛ ليُصبحَ معلمًا مميزًا، أو مديرًا، أو…إلخ.

الطبيب: هدفُه زيادة تحصيله العلمي التَّخَصُّصي إلى درجة الإتقان والإبداع…إلخ.

الزوجة: هدفُها أن ترضي الله أولاً، وترضي زوجها، وتُحْسن تربية أبنائها…إلخ.

وهكذا كل إنسان يُحَدِّد هدفه ضمن ما يستطيع، ومن موقع عمله، ولعلَّ التاج الذي يُزيِّن هذه الأهداف القريبة أو البعيدة هو إخلاص النِّيَّة لله – سبحانه – إنها الرُّوح لهذه الأهداف، وهذا ما أَكَّدَهُ لنا سيدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – حين قال في الحديث الصحيح، الذي رواه البخاري: ((إنما الأعمال بالنِّيَّات، وإنَّما لكُلِّ امرئ ما نوى)).

ثانيًا: التَّرْتيب والتَّنظيم

إنه قانون الكون الذي ينطق أنه مِن صُنع وتدبير العَلِيم الحَكِيم، انْظُر إلى الكواكب والنجوم، إلى السماء والأرض، إلى البحار والأنهار، إلى الجبال والأشجار؛ {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ} [النمل: 88].

إذًا لا بدَّ من ترتيب الأهداف وتنظيمها؛ لكي تُؤتي أُكلها يانعة، وهذا الترتيب يجب أن يتناغَمَ مع الوقت، فكلُّ هدف تسعى لتحقيقه أيًّا كان نوعه، لا بدَّ أن يُنْجَزَ في وقت محدد، ونعود للأمثلة السابقة لنقوم بالتطبيق العملي عليها:

الطالب في المدرسة:

يذهب إلى المدرسة صباحًا، وقت الظهيرة للغداء والراحة، وقت العصر إنهاء الواجبات المدرسية، لا مانع بعدها منَ التَّسلِية المُفِيدة، ينهي يومه بالمُطَالَعة، ثم ينام في وقت مُحَدَّد.

شخص يضع برنامجًا مُحَدَّدًا للمُطَالَعة:

يوم السبت: يبحث في علم الفضاء، الأحد: هو للبحار وما فيها من عجائب، الاثنين: للعلوم الشرعية، الثلاثاء: للأدب واللغة، الأربعاء: للتاريخ، الخميس: يبحث الجغرافيا وعلم الأرض، الجمعة: هو لكتاب الله – عز وجَلَّ.

شخص يدرس العلوم الشرعية:

السبت: للعقيدة والتوحيد، الأحد: للفقه وأصوله، الاثنين: للسيرة، الثلاثاء: للأخلاق، الأربعاء: للتاريخ الإسلامي، الخميس: لعلوم الحديث، الجمعة: لعلوم القرآن.

ينبغي أن تُحَدِّدَ أوقاتًا للراحة أوِ العمل أوِ التَّرْفيه، فمثلاً: يوم الجمعة يفرَّغ للعبادة، الذهاب للنادي يوم السبت، الذهاب إلى السوق يوم الأحد، يوم الاثنين أطالع فيه الإنترنت، وهكذا سائر أيام الأسبوع.

شخص يريد حفظ كتاب الله:

يُحَدِّد في كل يوم صفحة منَ القرآن يحفظها مثلاً.

ولا بُدَّ أن نَنْتَبه أن ما أقوله ليس وصفة جاهزة للتطبيق، وإنما أنا أرسم الطريق، وأُنَبِّه على ضرورة التنظيم والترتيب الذي يشعرك بالراحة والرضا، ويساعدك على إنجاز أعمالك بسرعة ودقة.

الزوجة في المنزل:

تُحَدِّد الوجبات سَلَفًا، مراعية التنويع والفائدة، فالسبت والاثنين والخميس: للحوم بأنواعها (الأغنام، الدَّجاج، السمك)، الأحد: للخضار، الثلاثاء: للنَّشَويات، الأربعاء: للبُقُوليات والحبوب، الجمعة: راحة لها.

ثالثًا: التنويع والتغيير:

وهو أمر مهِم وضروري يجب ألاَّ نغفلَ عنه؛ إذ فطر الله الإنسان على أشياء كثيرة، منها الملل من تَكرار عملٍ ما فترة طويلة، فيتحول الأمر إلى رُوتين، لا تجديد فيه ولا إبداع.

وسنبدأ بِعَرْض أبسط الأمثلة، ثم نتدرج صُعدًا:

الطالب في المدرسة:

يذهب كل يوم إلى مدرسته ربما بسيارته الخاصة، فلوِ استمر عليها مدة من الزمن، ستراه يشعر بالملل، إذًا لا بد منَ التغيير: تغيير السيارة، أوِ المجيء إلى المدرسة على الأقدام، أو من خلال حافلة نقل للأجرة…إلخ.

المعلم الذي يشرح لطلابه:

يجب أن ينوعَ في المكان والأدوات، وألاَّ يكونَ الفصل هو المكان الوحيد لشرح الدرس، وكذلك ألاَّ تكون السبورة الوسيلة الوحيدة لشرح الدرس، يعطي الدرس أحيانًا في المختبر، أو مكتبة المدرسة، أو ملعب المدرسة، أو خارج المدرسة، أمَّا الوسائل فيجب أن تتنوعَ منَ السبورة إلى وسائل العرض الحديثة، وكذلك طرق الإلقاء ما بين الإلقاء والمُناقَشة، والتمثيل…إلخ.

إذًا؛ ما قَدَّمْناه هو فكرة واقتراح، ولا بدَّ أن تقومَ بالتجربة؛ لترى النتائج التي نسعى لها، وأنا أُؤكِّد لكم أخيرًا أن الخطوات الثلاثة التي قَدَّمْناها لصناعة النجاح – تحديد الهدف، الترتيب والتنظيم، التنويع والتغيير – هي خطوات تتناغم مع العقل والدماغ، المبرمج الأول للإنسان وقائده في هذه الحياة، وهي كذلك تُريح النفس وتُبعد عنها الملل.

شاهد أيضاً

إقصاء الشباب المجازين في المغرب

إقصاء الشباب المجازين في المغرب: كيف ساهم قرار تحديد السن في تهميش جيل كامل؟ الشاملة …

رقمنة دخول وخروج الأساتذة في المغرب

رقمنة دخول وخروج الأساتذة في المغرب: ضرورة ملحة في ظل التطورات التقنية الشاملة بريس بالمغرب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *