الشاملة بريس-بقلم المفكر العربي/ خالد محمود عبد اللطيف
رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
مما لاشك فيه أن الإسلام دين الحضارة والرقي, دين الكمال والجمال , دين البهجة والسعادة, وكل نصوصه وتوجيهاته وطرقه ومسالكه تؤدي إلى ذلك, بل إن القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة
قد أكدا هذه المعاني, حيث يقول الحق سبحانه وتعالى في كتابه العزيز: «وَالْأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ H وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ», ويقول سبحانه وتعالى : «الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى», «وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ», ويقول سبحانه وتعالى: «وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ», ويقول سبحانه: «أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ H وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ H وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ H وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ», «مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ», ويقول سبحانه في شأن السماوات العلا: «وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ», «وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ».
بل لقد أمرنا القرآن الكريم بأن نتجمل أحسن التجمل, وأن نأخذ زينتنا عند كل مسجد, فقال سبحانه: «يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ H قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ», وعندما قال نبينا (صلى الله عليه وسلم): «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ ، يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ, الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقَّ وَغَمْطُ النَّاسِ» ( صحيح مسلم ), ولما أخبره سيدنا الْمُغِيرَةُ بْن شُعْبَةَ (رضي الله عنه) أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً , فَقَالَ له النَّبِيُّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) : «انْظُرْ إِلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» (رواه الترمذي) .
وكان (صلى الله عليه وسلم) يحب الطيب , وقد دعا إلى طلاقة الوجه والمحيا , فقال (صلى الله عليه وسلم) : «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (صحيح مسلم) , وجعل إدخال السرور على الناس من أعظم القربات إلى الله (عز وجل) , فقال (صلى الله عليه وسلم): «من أدخل السرور على مسلم كان على الله (عز وجل) أن يرضيه يوم القيامة», وقال (صلى الله عليه وسلم): «وَاحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ (عز وجل) سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِمٍ», ودعا (صلى الله عليه وسلم) أصحابه إلى لبس أحسن الثياب عند الجُمع والأعياد والمناسبات العامة.
على أن الجمال الحقيقي لا يقف عند حدود الشكل إنما يتجاوزه إلى جمال الجوهر, وجمال المعدن, وجمال الأخلاق , وجمال الطباع , يقول مصطفى صادق الرافعي (رحمه الله) : إن خير النساء من كانت على جمال وجهها في أخلاق كجمال وجهها وكان عقلها جمالا ثالثا, فهذه المرأة إن أصابت الرجل الكفء, يسرت عليه ثم يسرت ثم يسرت, ويقول الشاعر:
إِذا المَرءُ لَم يُدنَس مِنَ اللُؤمِ عِرضُهُ
فَكُـــــلُّ رِداءٍ يَرتَديـــــــــهِ جَميــــــــلُ
فيجب علينا جميعًا أن نتجمل بجمال الإسلام في سمتنا , وفي مظهرنا , وفي بيئتنا , وفي مدارسنا , وفي معاهدنا , وفي حدائقنا , وفي متنزهاتنا , وفي أماكننا العامة , وألا نشوه معالم الجمال والبهجة بما ينفر الطبع السليم والذوق الراقي.
على أن من أهم معالم الذوق والجمال والرقي تخير الكلمة الراقية الحلوة الصافية, فقد مرَّ سيدنا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) على قوم يوقدون نارًا, فكَرِه أن يقول لهم : السلام عليكم يا أهل النار, إنما قال: السلام عليكم يا أهل الضوء, كما دعانا الإسلام إلى تخير الأسماء الحسنة ذات الدلالة الراقية , وأن نبعد الأسماء المنفرة, وعن كل ما ينفر منه الطبع والذوق والحس الإنساني السليم, وقد أمرنا القرآن الكريم أن نفعل ما هو أجمل, وأن نقول ما هو حسن بل ما هو أحسن, فقال سبحانه: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» (البقرة:83), وقال سبحانه:» وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ» (الإسراء:53), فليكن شعارنا «الذوق والرقي والجمال», فالذوق السليم الراقي هو القادر على الإحساس بهذا الجمال , وعلى إشاعته على من حوله وفي مجتمعه