رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الأدب والدين

الشاملة بريس-بقلم \ الكاتب و المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد اللطيف

رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى

مما لاشك فيه أن الجدل حول العلاقة بين الأدب والدين، أو الشعر والدين – بشكل أخص – قديمٌ حديث، وقد أخذت هذه القضية في الأدب الحديث أبعادًا جديدة، ولا سيما عندما حلت – في الفكر الغربي، في كثير من المذاهب والتيارات – “الأيديولوجيا” محلَّ الدِّين.

وعُرفت دعوة قوية – في الأدب الغربي – لإبعاده عن القِيم الدينية والخُلقية، مدعمة بحجج كثيرة؛ كأنْ يزعم جونسون “أن الدينَ يقص أجنحة خيال الشاعر… أو يزعُم أن الشعر الذي يعبِّر عن إيمان وولاء لا يستطيع أن يسرَّنا دائمًا..”[1].

أو أن يقول الألماني ليسينغ:

كنت أتمنى أن يُطلق اسم العمل الفني حصرًا على الأعمال التي يبرز فيها الشخص فنانًا حقيقيًّا، وما عدا ذلك، وحيث يُلاحظ – بصورة جلية – آثار التبعية الدينية؛ فإنني أعتبرها أعمالاً ليست فنية، وإنما عبارة عن أدوات معينة للدين..”[2].

وأما الشيوعيون فإن عداءَهم للأديان لا يخفى على أحد، وقد تبنَّوا بسبب من ذلك فكرة التناقض بين الآداب والدين، كان ماركس يؤكد باستمرارٍ استحالة اللقاء بين الأدب والدِّين، وكان يقول: “إن الدِّيانة اليهودية تحُط من شأن المعارف النظرية والفن والتاريخ، وتستهين بالإنسان كهدف بحد ذاته..”[3].

ولكن – مع بواكير حركة الحداثة الغربية – بدأت هذه العلاقةُ بين الأدب والدِّين تضعُف كثيرًا، وراح الأدب يتحرر بقوة مما عدّه قيودًا يفرضُها الدِّين والأخلاق عليه، وبدت الحداثة – في أشهر تياراتها، وأجهرها صوتًا – نزعة عَلْمانية دنيوية، تتنكر للقِيم الدِّينية والخُلقية.

يقول آلان تورين:

من المستحيل أن يُدعى حديثًا المجتمع الذي يسعى – قبل كل شيء – إلى أن ينظم نفسه، وأن يتصرف طبقًا لوحي إلهي أو لجوهر قومي..”[4].

ويقول أحد النقاد الغربيين – معبرًا عن نزعة تحرير الأدب من الدين والأخلاق[5] -:

في الروايات التي ظهرت في بواكير الحركة الأدبية المعاصرة، وفي المناقشات التي دارت حول النظرة الأدبية، والممارسة في الحركة الحديثة، يتحدد الهدف في تحرير الفن من قيود التدليل على حقيقة أخلاقية، أو رسالة أخلاقية، وتحريره من عبء هذا الدليل..”.

ولكن – مهما قيل عن غلبة النزعة (الدنيوية) على أي منشط حديث من مناشط الفكر الغربي الحديث، بسبب نزعات الشك والإلحاد التي أصبحت المهيمنةَ على هذا الفكر – فإن هذا لا ينفي وجود أصوات كثيرة تربط الأدب بالدِّين أو الأخلاق، وترى هذا الربطَ من طبيعة الأدب، ومن مصلحته كذلك.

ولا يتسع المقام لإيراد أقوال كثيرة لنقاد وأدباء غربيين تتبنَّى هذا الربطَ، وتدعو إليه، ولكنها موجودة، ولم تختفِ تمامًا من ساحة الأدب والنقد الغربيين كما قد يُتوهَّم.

كان شاتوبريان وفيكتور هيجو يرَيانِ أن من لوازم المجتمع أن يكونَ له أدبٌ منسجم مع عقائده ومنهجه في التفكير، وإذًا فإن الحضارة النصرانية يلائمها شِعر ذو طابع نصراني”[6].

وكان شاتوبريان يعد “الضميرَ المسيحي جوهرَ الحداثة، وقد وضع كتابه “عبقرية المسيحية”[7] ليبرهن على ذلك.

وتقول إليزابيث درو:

المعتقد الديني كالنزعة الإنسانية، شيءٌ يساعد الإنسان في هذه الحياة على مواجهة الضجر والحمَّى والنكد..”[8].

وأكد الإنكليزي غ. ريد “أنه لا يمكن أن يوجَدَ فنٌّ عظيم، أو مراحل فنية هامة دون أن تكون ملتحمة بديانات كبيرة..”[9].

وأما الناقد الفرنسي ألبير ليونار فكان يرى “أن عظمة فرنسا، وعظمةَ أدبها، هي في أنها كانت ولا تزال – برغم كل شيء – بلد المؤلفين، الأخلاقِي النزعة، والكتَّاب المسؤولين عما هو إنساني..”[10].

وأما إليوت – وهو مِن أعظم الأدباء الحَداثيين – فإن آراءه النقدية وإبداعَه الشعري في الربط بين الأدب والدِّين لا تخفى على أحد، وكان “يُصِر على ربط الأدب بإلاهياتٍ ثابتة عامة شاملة، وأخلاق ثابتة عامة شاملة، وهي إلاهيات وأخلاق لا وجودَ لها في نظره إلا في الموقف الكاثوليكي من الدِّين، أو سنَّة السلف الصالح..”[11].

وأخلص لأقول:

إذا كان كلا الاتجاهين موجودًا في النقد الغربيِّ فلماذا لا يستفيد أدباؤُنا ونقادنا من هذه الآراء وأمثالها؟ أوليس هذا “غربًا” لمن كان لا يستضيء إلا بنارِ “الخواجا”، ويحرص على “غَرْبَنة” أو “أَوْرَبة” كلِّ شيء؟

لماذا يصرُّ قوم من الحَداثيين العرب أن يتجاهلوا هذا الصوتَ الرابطَ بين الأدب والدِّين، ويعُدُّوا ذلك تخلُّفًا؟ لماذا ينفتحون فقط على أصحاب الاتجاه الأول، وهو الاتجاه الذي يتنافى مع عقيدتنا وتراثنا؟ وهل يُعقل في مجتمع عربي مسلم أن يُدعى إلى إبعاد الأدبِ عن قِيَم الدين والأخلاق، وهي التي تشكل هُوِيَّة هذه الأمة وشخصيتها؟

هل يُعقل أن تسمع من يُدعى فينا “محمدًا” ويقول: “لقد اهترأ العالَم العربي بتراكم المفاهيم والقِيَم المتعالية التي تفصل بين الإنسان وجسمه، الإنسان ومستقبله، تحرم متعته وشهوته..، ومن غير مبالغة نقول: إن التحرُّر العربي يفترض تحرُّر الجسم هو الآخر، وقد آن لهذه السماء المتعالية أن تكفَّ عن تغييب جسمنا وتشطيره إلى نور وظلام، يمين وشمال، خير وشر، ملائكة وشياطين! آن لهذا الجسم أن يحتفل بشهوته ومتعته..”[12]؟

________________________________________

[1] الشعر كيف نفهمه ونتذوقه، إليزابيث درو، ترجمة: محمد إبراهيم الشوش.

[2] السابق.

[3] الفن والدين، د. ف. فينوفسكي، ترجمة: خلف الجراد: ص8.

[4] نقد الحداثة/ الحداثة المظفرة، ترجمة: صياح الجهيم، القسم الأول: ص15.

[5] ديفيد سيدوروسكي، مقال: “المعاصرة وتحرير الأدب من الأخلاقية”، ترجمة: أمين العيوطي، مجلة فصول، ص68، المجلد السادس، العدد الثالث: 1986.

[6] انظر: نظرية الأنواع الأدبي، ترجمة: حسن عون، ص98.

[7] مقدمة في المناهج النقدية، لبيير بابيرس، ترجمة: وائل بركات وغسان السيد، ص12.

[8] الشعر، كيف نفهمه ونتذوقه، ترجمة: محمد إبراهيم الشوش، ص325.

[9] الفن والدين، ف. فيخنوفسكي، ترجمة: خلف الجراد، ص3.

[10] أزمة مفهوم الأدب في فرنسا، ترجمة: زياد عودة، ص12.

[11] الاشتراكية والأدب، لويس عوض، ص32.

[12] محمد بنيس، في مقدمته لكتاب: “الاسم العربي الجريح”، لعبدالكريم الخطيبي، ص8.

شاهد أيضاً

محو “الأميات”

محو “الأميات” الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا– إعداد: عبده حقي في اليوم العالمي لمحو الأمية، الذي …

إقصاء الشباب المجازين في المغرب

إقصاء الشباب المجازين في المغرب: كيف ساهم قرار تحديد السن في تهميش جيل كامل؟ الشاملة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *