الشاملة بريس-بقلم/ الطالب الباحث : يوسف بوخرصة
مقاربة مفاهيمية
تقديم:
تناول ميدان العدالة الانتقالية في العقود الأخيرة السبيل الأفضل الذي يتيح للدول التي تنتقل من الحرب إلى السلم أو من الحكم الاستبدادي إلى الحكم الديموقراطي، التصالح مع تركة الانتهاكات الضخمة. وتعتبر لجان تقصي الحقائق جزءا رئيسيا من عمليات العدالة الانتقالية، التي تشمل أيضا العدالة الجنائية، التي تتخذ شكل ملاحقة الجناة السابقين على مستويات عديدة، بالإضافة إلى تقديم تعويضات وإجراء إصلاحات مالية ونفسية واجتماعية ودستورية، وتستهدف برامج جبر الضرر والتي غالبا توصي بها لجان الحقيقة أو تأتي نتيجة لتسوية النزاعات الاعتراف بحق الضحايا في المطالبة باحترام حقوق الإنسان ورد الاعتبار لهم ومنحهم فرصة المشاركة في إعادة بناء مجتمع ما بعد الاستقلال. وتسعى هذه البرامج بالأخص إلى وضع تدابير ملموسة ورمزية لجبر ضرر الضحايا والتخفيف عنهم وعن ما لحقهم من معاناة.
وفي هذا السياق فقد تأسست فلسفة جبر الضرر لدى هيئة الإنصاف والمصالحة بالمغرب على المبادئ الإنسانية للعدل والإنصاف، وعلى ما أصبح متعارفا عليه عالميا اليوم بالعدالة الانتقالية، باعتبار جبر الضرر مجموع التدابير التي ينبغي على الدولة اتخاذها لتعزيز الإنصاف لإصلاح أو جبر الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على نحو متناسب مع جسامة هذه الانتهاكات والأضرار المترتبة عنها.
واعتمدت التجربة المغربية في هذا المضمار على نهج وآليات العدالة الانتقالية من خلال تجاربها في ضوء لجان الحقيقة والمصالحة التي ساهمت إلى حد كبير في تغيير المشهد السياسي والاجتماعي واتسامه بنوع من الاستقرار في أفق تدبير المرحلة الانتقالية عبر آليات العدالة الانتقالية، بقراءة مظالم الماضي لأجل ترسيخ قيم المصالحة والوحدة الوطنية للعيش والتعايش السلمي وتبلور الإيمان بالتغيير ومواكبة خطاب حقوق الإنسان، ومواجهة إرث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي أو ما سمي تاريخيا “سنوات الجمر والرصاص”.
كما تميزت التجربة المغربية في مضمار العدالة الانتقالية باهتمامها الكبير بإدماج مقاربة النوع في سياسة جبر الضرر، وهو ما يعتبر إسهاما حقيقيا في التراكم الدولي الخاص بالعدالة الانتقالية، وذلك عبر معالجتها للعنف تجاه النساء ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، فضلا عن الإسهام الخاص ب” جبر الضرر الجماعي” حيث أطلقت هذه التجربة العناصر التأسيسية لهذا النهج في منظومة العدالة الانتقالية.
ولعل العدالة الانتقالية تندرج ضمن أفق في التفكير يرى أن التحول الديموقراطي يمكن أن يحصل بالتوافق التاريخي الذي يعتمد جملة من الخطوات والإجراءات المسنودة بإرادة سياسية محددة، وحول المفهوم الدقيق للعدالة تحوم مجموعة من المفاهيم التأسيسية كمفهوم المصالحة والحقيقة والإنصاف. فهل تمتلك هذه المفاهيم مجتمعة أو متفرقة، والتي يفترض أنها كونية في خضم هذا المد الحقوقي والتشريعي الدولي القوي الدلالات نفسها لدى مختلف الدول والمجتمعات المعنية بهذا الموضوع وتسطر نفس الرؤية لكل ما يتعلق به؟ وما المقصود بالعدالة الانتقالية كمفهوم أساسي يتوجب التوقف عند دلالته؟ وما هي آليات هذه العدالة الانتقالية؟ ولماذا تم استحضار الإنصاف والمصالحة كمفهوم للهيئة عوض الإنصاف والحقيقة؟