حركة 20 فبراير محطة احتجاجية بارزة في تاريخ المغرب الراهن.

الشاملة بريس- بقلم الطالب الباحث : يوسف بوخرصة

تقديم

أضحى موضوع الحركات الاحتجاجية ، يستأثر بالاهتمام الكبير، ومعادلة صعبة في المشهد المجتمعي عامة والسياسي خاصة، من خلاله تنوعت الأقلام المدونة في شأنه سوسيولوجيا كان الباحث أو صاحب ميول سياسي أو غيره، فالموضوع بات يعكس ذلك التلاقح بين مختلف القوى الفاعلة في المجتمع.

والحركات الاحتجاجية قديمة قدم التاريخ فقد برزت في فترات تاريخية متباينة، وكان من أبرز رواد هذه الظاهرة منهجية وتعريفا بيير بورديو وألان تورين، فقد برزت الظاهرة منذ أربعينيات القرن الماضي في أروبا ، لتعرف نوعا من السكون والخمود في نهاية الستينيات وإلى غاية السبعينيات ، إلا أن بروزها مع مطلع التسعينيات مرة أخرى أخذ في النمو، فقد لعبت دورا مهما في طرح العديد من القضايا التي كانت في البداية ذات حساسية كبرى، خصوصا على مستوى أجهزة الدولة واتصالها بمسؤوليها، وبمنتصف التسعينيات أخذت أساليب الاحتجاج في الاختلاف وأخذت تنحاز الى السلمية، وفي مشهد عالمي أخذ ينشد بمبادئ الديموقراطية وحقوق الانسان، وكلها مظاهر أصبحت تعكس بداية تكسير عملية التطويق التي أحكمتها السلطة على المجتمع في المراحل السابقة، ومنذ ذلك الوقت تزايدت الحركات الاحتجاجية وتنوعت مطالبها.

والرقعة العربية كانت شاهدة على “ربيع عربي” بدأ في تونس ثم انتقل الى بعض البلدان العربية الاخرى، بحسه الثوري الذي طالبت من خلاله الشعوب العربية بإصلاح وتحسين وضعها في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية منها والسياسية..

رغم أن المغرب سوق له في المشهد السياسي بما يعرف “بالاستثناء الغربي”، إلا أن رحيق هذا الربيع قد استنشقه شباب المغرب من خلال حركة عرفها المشهد الاعلامي والسياسي المغربي باسم “حركة 20 فبراير

ويعد حدث تغيير الدستور لسنة 2011 محطة مهمة في تاريخ المغرب، حيث أن طلب التغيير قاده شباب من داخل الاحتجاجات، فاستطاعوا بذلك تحقيق ما لم تستطع الأحزاب السياسية تحقيقه رغم ما عاشه شباب الحركة من قمع وتنكيل، وبذلك تلاشت الثقة في الاحزاب السياسية، خصوصا أنها حاولت الركوب على موجة الاحتجاجات لخدمة مصالحها، وأصبح الشباب يتبنى إرادة الانعتاق من الوصاية، وأضحت المساواة والعدالة الاجتماعية مطلبا اجتماعيا بقوة الشارع بدون وساطة أو تأطير من طرف المؤسسات التقليدية، لتبحث بذلك الحركات الاجتماعية عن مكانها في البناء الاجتماعي، دون مظلة المؤسسات السياسية أو الاجتماعية المطوقة لأفكار الحرية والديموقراطية العادلة.

من خلال الطرح المقدم تستوقفنا بعض الأسئلة التي كان لزاما تدوينها بغية فك بعض رموز الموضوع قيد الاشتغال.

ما مفهوم الحركات الاحتجاجية وما أسبابها؟

وكيف شكلت حركة 20 فبراير بنية اجتماعية شبابية أثرت في المشهد السياسي؟

وهل شكل غياب دور الاحزاب نقطة أفاضت كأس الاحتجاج؟

مفهوم الحركات الاحتجاجية:

عند استحضار الكتابات المفسرة لمفهوم الحركات الاجتماعية نجد أن معظم الذين أسهموا في تقديم التعريف، ينخرطون في صف الإجماع حول وجود عدة عناصر لابد من توافرها في الحركة الاجتماعية حتى تستحق هذا الاسم.

فالجهود المنظمة، وعدد المشاركين، وأهداف الحركة، والسياسات المتبعة، والأوضاع، والمكونات الفكرية، وغاية التغيير، ووسائل التعبئة، كلها عناصر تمثل ترسانة المفهوم 

وهذا المفهوم بحمولته العلمية لم يتأسس بمعزل عن الصراعات الدائرة في المجتمعات الانسانية، ولا يمكنه بالمرة أن يكون منفصلا عنها مادامت هذه الحركات أصلا تدل على الصراع الذي يعني كل تعارض بين الافراد أوالجماعات من حيث القيم والمصالح، فالصراع بعد من أبعاد الحركة الاجتماعية في تشكلها الاحتجاجي القائم أصلا على الرفض ونشد التغيير .

كما يرى هربرت بلومر أن الحركات الاجتماعية هي ذلك الجهد الجماعي الرامي الى تغيير طابع العلاقات الاجتماعية المستقرة في مجتمع معين .

فيما يلح غوي روشي على مسألة التنظيم في الحركة مبرزا أنها تنظيم مهيكل ومحدد له هدف علني يكمن في جمع بعض الافراد للدفاع عن قضايا محددة

والحركة الاجتماعية في منظور توفيق عبد الصادق بمنزلة الفعل والسلوك الاحتجاجي الموظف لخلق واقتناص ما يعرف بالفرصة أو اللحظة السياسية الداخلية أوالخارجية والتي تستطيع من خلالها ، اي الحركة الاحتجاجية التدخل والتأثير في إجراءات ومؤسسات المشاركة السياسية على النحو الذي يكفل لها تحقيق أهدافها، التي تتلخص بوجه عام في إطلاق عملية تغيير واسعة في المجتمع، ورسم ملامح واقع جديد مختلف كليا عن الواقع السائد

من خلال ما تم طرحه من تعاريف حول مفهوم الحركات الاحتجاجية يمكن أن نعرف هذا المفهوم على أنه حالة غضب من مجموعة من الأفراد والجماعات إزاء الوضعية في مستوياتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، يتم الضغط من خلالها على دوائر صنع القرار في أفق تدبير هذه الاختلالات من أجل مراعاة المطالب الاحتجاجية المرفوعة.

بروز حركة 20 فبراير على الساحة المغربية:

لا يمكن الحديث عن أي حركة احتجاجية اجتماعية أو سياسية من دون أن تكون لها بيئة حاضنة، تشكل الأساس الموضوعي لعملية التفاعل العلائقي مع البناء الذاتي للحركة، تكون نتيجته تبلورا وإفرازا لديناميات جديدة محدثة أو مكنسة لما هو قديم

شهد المغرب سنة 2011 حراكا مجتمعيا مطالبا بإسقاط الفساد والاستبداد فقد خرج مئات الآلاف من المغاربة، ملبيين دعوة شبابية للتظاهر السلمي والحضاري، في أكثر من 90 مركزا حضاريا من أجل التعبير السلمي عن مطالب الحرية والكرامة والديموقراطية والعدالة الاجتماعية.

إن حركة 20 فبراير جاءت كإفراز طبيعي لصيرورة نضال الشعب المغربي من أجل الحرية والانعتاق ضد الفساد والاستبداد وفي واقع موضوعي إقليمي عرف تصاعد الحركات الثورية في العالم العربي (تونس ، مصر ،…)،20 فبراير كحركة عبر من خلالها الشعب المغربي عن مطالبه السياسية : إسقاط الفساد والاستبداد ، تغيير الدستور …خلافا لما كان عليه الحال في بعض دول “الربيع العربي” أو بعض الدول التي شهد حركة “الساخطين” حيث كانت انطلاقته برفع مطالب اجتماعية.  

ومما لا شك فيه أن هذه الحركة قادمة بالتحديد الزمني الدقيق من رحم “ربيع الديموقراطية العربي” الدي انطلق على مشارف نهاية سنة 2010 من مشارف العاصمة التونسية

من قلب هدا الغليان العارم وهذه الحماسة الثورية الاستثنائية ، نمت فكرة حركة 20 فبراير المغربية ، وهذا المخاض السياسي الفائر بالأحلام، تسربت شعارات الثورة التونسية ونظيرتها المصرية، ومن بعد زميلتهما اليمنية إلى عقول مجموعة من الشباب المغاربة ولد شعورهم السياسي الطازج الدي انتفض فجأة ضد صمتهم المزمن ولا مبالاتهم الماضية ، فقرروا في غفلة من المجتمع والدولة على حد سواء ، محصنين بسياج مملكة الفايسبوك التي تضمن لهم تكنولوجيتها المتقدمة تواصلهم بشكل كامل وآمن أن يطلقوا دعوة للإحتجاج والتظاهر ضد كل الاوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية ، التي اعتبروها فاسدة وغير صالحة للعيش بكرامة وحرية .  

مع انطلاق الانتفاضات العربية، ومباشرة بعد تنحي كل من زين العابدين بنعلي بتونس، وحسني مبارك في مصر عن الحكم ، عرف المغرب دينامية سياسية جديدة صنعتها دعوات لمجموعة من الشباب المغربي تتراوح أعمارهم بين 19 و 27 سنة ، بخلق مجموعة في الفايسبوك سميت في البداية “حركة حرية ديموقراطية الآن” والتي حولها الاعلام بعد ذلك إلى اسمها الحالي وهو “حركة 20 فبراير”، للاحتجاج والتعبير عن حالة السخط المتنامي إزاء السياسة المتبعة، وستجد هذه الدعوة سندها الأساسي في استجابة مجموعة الهيئات المدنية والسياسية المعارضة، وخصوصا غير الممثلة في البرلمان وغيره من المؤسسات الرسمية والتمثيلية، مثل اليسار الجذري، وجماعة العدل والاحسان، فلقد أتاحت أحداث الربيع العربي فرصة سياسية للقوى التي كانت على هامش مؤسسات التأطير الاجتماعي لاكتساب مواقع مجتمعية جديدة لو أنها أحسنت استغلال ممكنات اللحظة التاريخية .

إذا كان هذا هو الحال في التعاطي مع السياق الاقليمي لحركة 20 فبراير فما هو الحال بالنسبة للسياق الداخلي؟

 

مطلب الاصلاح السياسي والتغيير الديموقراطي سيكون العنوان الأبرز والفارق لحركة 20 فبراير ، التي استطاعت لأول مرة وعلى غرار معظم الحركات الاجتماعية التي اجتاحت عدة بلدان في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا ، أن تضم مزيجا من التوجهات الايديولوجية والسياسية المختلفة، التي توحدت فقط في معارضتها للحكم السلطوي بمختلف تجلياته، اذ الى جانب الشعارات والمطالب المنادية بالعدالة الاجتماعية وبحق الحصول على خدمات في مجال الصحة والتعليم والسكن، كان مطلبهم الأول الجوهري مرتبطا بالمسألة السياسية وبضرورة وضع دستور ديموقراطي ، يستند في أساسه الى الشعب وإلى استقلال القضاء وفصل السلطات، فقد ردد المتظاهرون شعار “الملك يسود وما يحكم” ، كما طالبوا بالفصل الواقع بين قطاع الأعمال والسلطة .

لجأت الحكومات المتعاقبة مند الاستقلال الى مزيد من السياسات اللبرالية وحزمة من الاجراءات التقشفية ، مستهدفة الطبقات الاجتماعية الأكثر فقرا وهشاشة ( أكثر من 5ملايين مغربي يعانون الفقر والهشاشة حسب الأرقام الرسمية اواخر عام 2010 ، والأول من 2011 ).

بتتبع مسار المخططات الاقتصادية بالمغرب والمنطلقة منذ أواسط التسعينيات مع سياسة الخوصصة، التي أخذت منحى تصاعديا وأكثر انفتاحا على رأس المال الخاص الدولي والمحلي، وبمقاربة جديدة في عهد حكم الملك محمد السادس، باستهدافها خلق البنى التحتية لاقتصاد تنافسي وجاذب للاستثمارات، القادر على تحسين الوضعية الاجتماعية للفئات والطبقات العريضة، من الشعب المغربي، وبخاصة الفئات الأكثر فقرا وحرمانا، يوضح بالأرقام والمعطيات أن ثمارها كانت مؤقتة ومحدودة في تحسين مستويات التنمية البشرية، من جودة في التعليم والخدمات الصحية، وفي القضاء على مدن الصفيح وخلق مناصب شغل جديدة، مقارنة باتساع قاعدة الساكنة النشيطة والحد من التفاوت الطبقي الذي اتسع أكثر بالرغم من الأموال الضخمة المخصصة لمشروع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية.

هذه بعض من المشاكل التي تفاوتت بين المجالات الاجتماعية الاقتصادية والسياسية التي فرشت الأرضية لبروز حركة احتجاجية تجسدت في 20 فبراير ، ورغم أن الحركة حركة احتجاجية إلا انها تمثل مقولة “الاستثناء المغربي” إذ أن الحركة الاحتجاجية المغربية لم تؤد إلى قيام انتفاضة شعبية كبيرة تسقط النظام السياسي القائم في البلاد، كما هو الحال في تونس ومصر ، ولم توأد في مهدها كما هو الحال في الجزائر، وعليه لم تكن ربيعا ولا خريفا، بل كانت شتاءا مطيرا لا يمكن التنبؤ بنتائجه قبل موسم الحصاد، ونتيجة هذا الحراك عرف المغرب مجموعة مبادرات سياسية ذات نفس إصلاحي لبنية النظام السياسي، لكن تأثيرها الواقعي لا يمكن الحديث عن نتائجه بعد .

خاتمة

إن الحركات الاحتجاجية تجسيد لعدم الرضا إزاء السياسات المنتهجة، ولغة تعبير صارخ عن خلل واقع في البناء بمختلف مكوناته سواء الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو غيره، 

    وتنظيم الشباب أنفسهم في حركات احتجاجية تعتمد الشعارات السلمية والاعتصامات والتظاهرات، دليل على النقلة النوعية التي تعيشها هذه الفئة، بسبب ارتفاع وعيها بقضاياها والتمسك بمطالبها وأساليبها الاحتجاجية مستغلة في ذلك الانفتاح الإعلامي والتحول الذي يشهده العالم، فأصبحت هذه الحركات الاحتجاجية قوة لا يمكن القضاء عليها بالمقاربة الأمنية، وإنما أصبح من اللازم التعامل معها كواقع من الصعب القفز عليه أو محوه.

وحركة 20 فبراير ستظل علامة فارقة ومحطة احتجاجية بارزة في تاريخ المغرب خصوصا فترته الراهنة، سمات عديدة هي تلك التي ميزت حركة 20 فبراير، فمن خلالها تم التعبير عن شكل جديد من النضال والاحتجاج اتسم بلون السلمية من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والقطع مع الفساد، وكان حامل لوائها شباب مغاربة كانوا لأشهر قليلة قبل الحراك الاجتماعي يقاطعون السياسة ويعزفون عن المشاركة في الشأن العام.

واستطاعت حركة 20 فبراير حلحلة منسوب الاحتجاج في مختلف مكونات الرأي العام المغربي بما يدفعهم إلى رفع سقف التطلع نحو إرساء قواعد العدالة الاجتماعية والإنصاف والحرية وبتر دابر الفساد

شاهد أيضاً

معاناة دور الصفيح في مدينة العرائش

معاناة دور الصفيح في مدينة العرائش: بين غياب التدخلات الرسمية ووعود الشعار الوطني الشاملة بريس …

يتساءل الجزائريون بمن يثقون بعد نصف قرن

يتساءل الجزائريون بمن يثقون بعد نصف قرن الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: الكاتب الصحافي عبدالله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *