كان.. الحب عندي مبدأ وقضية!

الشاملة بريس- بقلم: زايد الرفاعي 

العشق عندي مذهب وعقيدة.

أومن به تارة وأكفر حينا، وما بين الإيمان والكفر رسالة لأولي الأفئدة لعلهم يعقلون!

لم أكن أجيد لغة التلاعب، ولا أتقن فن دغدغة المشاعر، أومن بدغمائية أو أكفر بشوڤينية.

مرت ساعات على مكوثي في المكتب، قضيت خلالها رحلات قصيرة ما بين عمل وتفكير، استحضرت ماضيا واستأنست حاضرا واستشرفت معية قلمي مستقبلا..

بعد انتهاء ساعات العمل، أرتدي بدلتي الزرقاء الداكنة التي أهدتها لي صديقتي المسيحية “ريما” بمناسبة عيد ميلادي، وخرجت متجها إلى منزلي لأنعم بنزر من الراحة بعد يوم من الأفكار الشاقة إلتهمت فيه الرموز القبيحة مدلولاتها الحسناء!

اتصلت “بربيع” أؤكد عليه موعد المساء في المقهى المعتاد طالبا منه إخبار “ياسين” لأن رصيد هاتفي يوشك على الانتهاء.

ثلاثتنا زملاء منذ أيام الجامعة، و -ريما- رابعتنا، إلا أنها لم تكن جامعية، ولم تحظ بمحاضرة بإحدى مدرجات الكلية ولا مرت أصلا من داخل أسوارها

كانت ريما تعمل في فندق مصنف خمس نجوم، نادلة داخل جناحه الخاص بالكباريه “الپار”.

كنا شلة أصدقاء، فرقتنا توجهاتنا السياسية وجمعتنا مهن المتاعب والمخاطر، قبل هذا وبعد ذاك؛ نحن أصدقاء ورفاق، وللمواقف عناوين شاهدة.

الهاتف. ينذرني على نفاذ البطارية، قد نسيت شحنه في المكتب. 

ياله من يوم، كل شيء يشير إلى إعلان نفاذ صلاحيته.

كنت سريع التوتر، مزاجيا، صعب المراس، وضعت هاتفي بطريقة غير مبالية في جيبي لجعله ينفض أنفاسه الأخيرة، هذه ليست المرة الأولى فالأمر يتكرر إلى أن صار معتادا.

للإشارة؛ الهواتف لا تموت، تهب أرواحها نعم! لكن لا تموت، الهواتف شاهدة وشهيدة والشهداء أحياء إلى حين!

أستلقي السيارة وأشغل الراديو.

المذيع يلقي خبرا موجزه، “تبني جماعة متطرفة لإنفجار مدوي بإحدى محطات القطار وسط مدينة سياحية بالديار الإسبانية”.

فزعت من الخبر البشع، تغيرت ملامحي فجأة بشكل غريب، وغزت عيوني ظلال صفراء، وكأني سمعت نبأ مفجعا يخص أقرب أقربائي.

صار وجهي كإسفنجة من الجليد، لأنني أستنكر أي شكل من أشكال العنف أيا كان مصدره أو هدفه..

فما بالك عندما يتعلق الأمر بعملية إرهابية تستهدف العزل من أطفال ونساء ورجال، أي منطق هذا، وأي فكر هنا، وما الهدف أو من الهدف أصلا؟

أي إلاه يأمر بهكذا فعل؟ وأي بشر سوي يتقبل هكذا تفكير إن في الجهالة تفكيرا أصلا؛

فبين التفكير والتكفير قرونا ضوئية من استعاب العلم والتعلم ومن استخدام العقل واحتكام التعقل.

المذيع يستطرد الموجز، بالإنباء عن أن السلطات الإسبانية أكدت عدم وجود خسائر بشرية بإستثناء جروح طفيفة لشخصين وخسائر مادية فقط…

تطمئن أفكاري وتستقر مشاعري وتسكن افتراضاتي السلبية كما يسكن العليل دواء مرا به علاجا.

في الحقيقة فزعي لم يكن من وقع الخبر ذاته، كما أني لم أتلقاه ذبذبات أمواج على الأثير، وإنما سهاما تباعا على القلب، فقلوب العشاق أهون من بيت العنكبوت، وعلى النقيض هي أقوى من جدار برلين، قد يسقط الجدار لكن معبد الهائمين هيهات، أي نعم قد يتحطم، لكن؛ لايسقط أبدا.

إسبانيا البعيدة هنا، عدت حضنا والحضن وطن لوطن كان بالأمس قريبا.

والانفجار هناك انفجرت قبله عيون وأوردة وأفئدة ولا من شجب أو استنكر، ولا من قال قبله ” الله أكبر”، أو حتى من بعده “اللهم إن هذا منكر” !

المدينة التي وقعت بها اليوم جروحا قد أيقظت جراح الأمس.

المدينة نفسها هي موطن “خلود” الفتاة التي صارت إمرأة زوج آخر، رجل أعلم عنه كل شيء؛ إسمه، عمله، لونه، طوله، وكل شيء بل حتى نسله، أشياء تصلني في ودائع مرة، دون أن أسأل عنها ودونما أن أبحث!

أعلم أن “خلود” العذراء التي أحببتها، والتي كنت ألقبها دوما ب “سينيوريتا” قد ختمت لها دونما أدري مؤشر سفر، لتصير فعلا سينيوريتا في بلاد (السينيوريتات عاشقات الفلامينكو).

أعلم أنها بعد زواجها رحلت إلى إسبانيا واستقرت هناك، وربما اليوم تكون أما لطفلة أو لتوأم.

ليس تخمينا!

هذا اتفاق خرقت ميثاقه بعد إغرائها بخاتم من ذهب وقفص من حديد، وأشياء أخرى لا يجوز الإفصاح عنها صونا للشرف.

تضحى ذبذبات توتري غير متوازنة، ترتفع، تنخفض، الجسد يقود السيارة، الروح في حالة توحد، العقل والقلب يتصافحان في حضرة صوفية.

كدت أدهس قطا يتسكع وسط الطريق لولا القدم على الفرامل في اللحظة المناسبة، كنت أحب القطط، أختي الصغرى تربي قطة تسميها “تسنيم”.

جرس سيارة ينبعث من الخلف، نظرت إلى صاحب الجرس المزعج عبر مرآة اليسار، بحركة عين لا مبالية وتلويحة يد تشير إلى عدم الإكتراث، قمت بالزيادة من السرعة القانونية ومضيت وكأني أمتطي براقا.

إن أرادوا منا احترام القانون، عليهم سن قوانين محترمة أولا!

أطفأت الراديو، وقمت بتشغيل أغنيتي المفضلة..

في الواقع كانت أغنيتنا المفضلة معا.. هي رمز من الرموز وهنا عهد الرموز قد انتهى!

بعض من موسيقى الزمن الجميل، ثم على نغم ” كوكب الشرق “.. 

-ومن الشوق رسول بينناااا

-ونديم يقدم الكاس لناااااا

_هل رأى الحب سكارى.. سكااااارى، مثلنااااااا…

شاهد أيضاً

أعضاء اتحاد الوطن العربي الدولي في كل دول العالم يهنئون مؤسس ورئيس الإتحاد بعيد ميلاده المجيد

أعضاء اتحاد الوطن العربي الدولي في كل دول العالم يهنئون مؤسس ورئيس الإتحاد بعيد ميلاده …

البقرة المقدسة قصة قصيرة

“البقرة المقدسة” قصة قصيرة الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا– بقلم: الكاتب والروائي والشاعر  *د . محمد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *