الشاملة بريس- بقلم: عبد النبي التليدي
( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) قران كريم
إن المثقف الملتزم بقضايا أمته لا يفنيه الموت بل يجعله حيا أبدا في ضمير الناس لأن روحه تعيش بعد موته أفكارا تنير العقول وتهز الضمائر حتى تلك التي كان يشعر أصحابها “بأنه كان يستفزها أحيانا”.
وكذلك كان حال الكاتب الألماني غونترغراس الذي ولد سنة 1927 وعاش 87 سنة حاز أثناءها على جائزة نوبل للآداب سنة 1999 وخلد كثيرا من اعماله أشهرها “القط والفأر” و”سنوات الكلب” و “مذكرات حلزون” و “القصة الكاملة”. الذي ابنه رئيس أكاديمية الفنون في برلين كلاوس شنيك بقوله فيه “بوفاة غراس فقد عالم الأدب كاتبا بليغا واحد مواطني ألمانيا المناضلين”.
لأن غونترغراس لم يكن كاتبا فقط بل كان مناضلا فذا وحامل رسالة ضد الظلم والقهر والفساد في المجتمع ومنتقدا للنظام النازي ولسياسته العنصرية والحاقدة الذي رفض الانخراط فيه وصار رفيق درب الاشتراكيين وقريبا من المستشار الألماني الأسبق فيلي برونت.
ونوهت به جريدة ديير شبيغل الألمانية بعدما قالت فيه “لولا مداخلات غونترغراس في النقاشات العامة لربما كانت ألمانيا مختلفة عما هي عليه اليوم، رغم أنه كان يستفزنا أحيانا”.
وهكذا رأى هذا الكاتب الأديب أن دوره ليس كأي دور عادي في وطنه بل هو دور مثقف ومسؤول عن التغيير فيه لخير بلاده وشعبه، وعمل بالقلم ما لم تستطع عمله البندقية وبالكلمة ما لم تفعله أساليب المستبدين بالحكم من نازيين وفاشيين إلى انتهازيين ومستغلين.
واتخذ موقفا مضادا وشجاعا من اسرائيل عندا نشر قصيدة سنة 2012 وانتقدها متهما إياها بأنها تهدد السلم العالمي لذلك اعتبرته شخصا غير مرغوب فيه على أراضيها واتخذ موقفا مثيرا أيضا مما سماها الحرب الصليبية للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.
ورغم حقد خصومه عليه وتحاملهم على خطه ووقوفهم ضده نتيجة تضايقهم ومصالحهم من مداخلاته وكتاباته وشعورهم باستفزازه، فقد خلد الكل أفكاره ووصفه الجميع بـ “الضمير الأخلاقي لألمانيا”.
وحياه الرئيسي الألماني يواخيم غوك الذي نعته بأنه “مرآة بلدنا وجزء لا يتجزء من تراثنا الفني والأدبي” وقال أيضا “في رواياته تكمن الآمال الكبرى والأخطاء والمخاوف والتمنيات لكل الأجيال”.
وهكذا عاش الكاتب غونترغراس مدافعا عن الحق في ألمانيا وخارجها ومضادا للظلم والقبح في كل مكان لا يخاف لومة لائم فاعترف به المسؤولون في وطنه وبوؤوه مكانة استحقها عن جدارة .
وبذلك يخلد المثقفون أسماءهم ويعترف المسؤولون فعلا بمثقفيهم ويرفعونهم عاليا من أجل سمعة وطنهم ولصالح الأجيال.