المُحامي ومسؤوليَته في تحْقيق العدَالة

“ولا تبخسوا الناس أشياءهم” قرآن كريم

 الشاملة بريس- بقلم: عبد النبي التليدي

(المحاماة مهنة حرة مستقلة تساعد القضاء وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء) المادة 1 من القانون رقم 28.08.

(يتقيد المحامي في سلوكه المهني بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف، وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة) المادة 3.

حيث أن القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، بما فيهم السلطات العمومية، متساوون أمامه، وملزمون بالإمتثال له حسبما نص عليها دستور 2011، وبما أن القانون هو الذي يحمي حقوق ومصالح كل شخص وله الدفاع عنها بواسطة التقاضي الذي ضمنه المشرع له عندما أكد أن حقوق الدفاع مضمونة أمام جميع المحاكم.

ولأن المحاماة أهمّ وسيلة للدفاع عن حقوق المتقاضين باعتبار الإقبال الكبير الذي أصبح على هذه الهيئة من طرف مختلف فئات المجتمع مهما اختلفت مستوياتهم الاجتماعية والثقافية والمادية، ونظرا لهذا الدور الواسع والخطير للمحامي على مصير القضايا المرفوعة أمام المحاكم وبالتالي مصير كثير من المتقاضين حسب القضايا، وعلى حقوقهم المدنية والعقارية وحتى السياسية تبعا لمدى تقيد المحامي بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف، وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة.  

لذلك رأيت أن أدلي بدلوي المتواضع في هذا المجال بناء على ما قرأته عنه أو عايشته من خلال التجربة القصيرة في الواقع داخل المحاكم أو خارجها أو من خلال المذكرات التي صادقتها بين يدي، لعلني أفيد قليلا الكثير وأستفيد كثيرا من القليل، وما قصدي إلا إصلاح العدالة التي أغير عليها باعتبارها ركن أساسي من أركان دولة الحق والقانون ولأن العدل كما قيل أساس الملك نظرا لآثاره في المجتمع إن خيرا أو شرا وعلى إطمئنان الناس وما يشكله من استتباب الأمن بينهم ونشر السلم فيهم، لذلك قيل للخليفة عمر بن الخطاب أرضاه الله: “عدلت فأمنت فنمت يا عمر”.

فمن خلال تصفح قانون المحاماة وجدت أن المشرع لم يترك كبيرة أو صغيرة في هذا المجال إلا ونظمها، وبالخصوص منه القانون رقم 28.08، المتعلق بتعديل القانون المنظم لهذه المهنة الصادر بتاريخ 20 أكتوبر 2008، سواء ما يهم مهنة المحاماة التي عرفها تعريفا دقيقا وشاملا في المادة 1 عندما نص بالحرف: “المحاماة مهنة حرة، مستقلة، تساعد القضاء، وتساهم في تحقيق العدالة، والمحامون بهذا الاعتبار جزء من أسرة القضاء”. وما يجب على المحامي من ضرورة “أن يتقيد.. في سلوكه المهني بمبادئ الاستقلال والتجرد والنزاهة والكرامة والشرف، وما تقتضيه الأخلاق الحميدة وأعراف وتقاليد المهنة” المادة 3.

ومن واجبه أن يؤدي القسم الآتي:

“أقسم بالله العظيم أن أمارس مهنة الدفاع والإستشارة بشرف وكرامة وضمير ونزاهة وإنسانية، وأن لا أحيد عن الاحترام الواجب للمؤسسات القضائية وقواعد المهنة التي أنتمي إليها وأن أحافظ على السر المهني، وأن لا أبوح وأنشر ما يخالف القوانين والأنظمة والأخلاق العامة، وأمن الدولة، والسلم العمومي” المادة 12.

أمام هيئة وجلسة خاصة لما في ذلك ما تأثير قوي على ضمير المحامي وعلى سلوكه مستقبلا في التعاطي مع هذه المهنة لأنها ليست مهنة عادية بل هي جزء من القضاء.

وكيفية ممارسة المحاماة وواجبات المحامين كالإستقلال تجاه الجميع سواء كانوا زملاء أم موكلين أو قضاة أم من باقي مساعدي القضاء أو غيرهم، إلى حد اعتقادي في استقلال المحامي عن نفسه الأمارة بالسوء كباقي البشر من خلق الله التي قد تدفعه في إطار مرافقته التي قد تثير حماسه المفرط فيخرج عن جادة الصواب ويمس بكرامة الخصوم وهي مما لا يمكن للإنسان التخلي عنه، أو أن يصف وسائل دفاعهم وحججهم بأوصاف منكرة ويتجنى عليهم دون دليل وقبل التحري الموضوعي والرزين لوسائل وحجم موكله، التي قد تكون أقوى وأحق عند خصمه، فينقلب المحامي خاسئا محمر الوجه مخنوقا كأنه يصعد في السماء مما لا يرضاه الله وهو معكم أينما كنتم خاصة إذا كان يعلم علم اليقين أن خصمه ظالم جاحد خصوصا إذا سبق له أن قال عنه “أش غادي يقول لله”، ولا يرضاه الآخرون لأسرة القضاء باعتباره جزء من أسرتها. وقد نبه الله عز وجل المؤمنين بقوله في هذا الموضوع “يا أيها الذين أمنوا إذا جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا عما فعلتم نادمين”.

وما بالك بالذي يجهد كل الجهد لتضليل العدالة وتغليط القضاء بكل الوسائل وتحريف الوثائق عن مواضعها الحقيقية.

فمن واجبات المحامي حماية حقوق المواطن بصفة عامة وحقوق موكله بصفة خاصة، وبالتالي فهو مكلف دستوريا وقانونيا ومهنيا ووفقا لأعراف وتقاليد المهنة بالتكفل بضمان حقوق الدفاع بكل تجرد ونزاهة وموضوعية غايته في ذلك الحق والعدل وليس غيرهما مهما كانت الأسباب والمغريات أو الضغوطات أو الحسابات الشخصية أو الأحقاد العالقة بدون سبب، لأن أصل المهنة حماية الحق وليس الدفاع عن ظلم الظالم أو جناية وجنحة المتهم فرضا الله والضمير أولى وأهم من أي رضى آخر وأنجى له في الدنيا والآخرة، فكم من محامي قتله وخز ضميره وقد قال الله تعالى: “ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون وإنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار”.

لذلك على المحامي أن يكون معتدلا في سلوكه وتصرفاته أمام الجميع وأن لا يتلفظ بالكلام البذيء سواء أمام موكليه أو أمام زملائه أو أمام القضاء، فالتشبث بالوقار من أوجب واجبات المحامي.    

وبالمقابل وجدت أن علاقات المحامي مع الموكلين نظمها تنظيما مفصلا أفرد لها فرعا خاصا من المادة 42 إلى المادة 53 بينها مادة أثارت انتباهي ووقفت عندها كثيرا متأملا وتمنيت لو فعلت لساهم ذلك بدون شك في تخفيف العبء عن القضاء وما تشهده المحاكم من كثرتها المعروضة عليها كثير منها يمكن حلها خارج ردهاتها وفي مكاتب المحامين الذي مما لا ريب فيه أنهم سيجنون الكثير بتفعيلهم هذا ماديا وأجرا عظيما، إنها المادة 43 التي نصت على ما يلي: “يحث المحامي موكله، على فض النزاع، عن طريق الصلح، أو بواسطة الطرق البديلة الأخرى، قبل اللجوء إلى القضاء”.

واهتم أيضا بالأتعاب التي تحدد بالإتفاق بين المحامي وموكليه بما في ذلك المبلغ المسبق منها، وما يجوز ولا يجوز لكلا الطرفين من محامين وموكلين سواء أثناء سريان القضايا في أية مرحلة من مراحلها أو عند نهايتها.

وبذلك كفل هذا القانون حقوق الجميع وواجباتهم خارج المحاكم أو داخلها ومنها حصانة الدفاع التي نص في المادة 60 منها بصفة خاصة: “كل من سب أو قذف أو هدد محاميا أثناء ممارسته لمهنته أو يسبها، يعاقب بالعقوبات المقررة في الفصل 263 من القانون الجنائي، بعد أن لم ينجز للمحامي أن يفشي أي شيء يمس بسرّ المهنة في أي قضية. بعد أن جعل من أوجب واجبات المحامي، كما أسلفت التشبث بالوقار والسر المهني. وهو إطلاق عام سواء في سلوكه الشخصي أو بمناسبة ممارساته المهنية في مكتبه أو داخل المحاكم وخاصة في القاعات الخاصة بالجلسات العامة والمرافعات.

تنويه على علاقة بما سبق وبدون تعليق:

وبينما كنت أتصفح أرشيفا لوثائق قديمة يزيد عمرها عن عشرين سنة، إذ بي أعثر بينها على عريضة بأسباب استئناف حكم ابتدائي لمحام كتب بالحرف فيها “لأن كل الإدعاءات الواردة في مقال الدعوى غير صحيحة بالمرة، لأن المتزعم لهذه الحركة هو عبد النبي المستأنف عليه” ! مع أنني لم أطلب إلا حقا شرعيا هو إعادة إجراءات تنفيذ وقسمة بحضور عدلين وهو ما تحقق لي استئنافيا وتم في عين الأرض. وعثرت على عريضة أخرى في نفس الموضوع بها تعبير “لأن المحرك لهذه الرحى هو المدعى عليه عبد النبي…” !

وبعد اعتقادي بأن مثل هذه التعابير لم تعد متداولة في المذكرات، إذ بي أفاجئ بمذكرة بها: “هذه الأحكام تتعلق ببطلان إجراءات التنفيذ وبالفعل كان ذلك، إلا أن المستأنف يحتال على المحكمة ويضلل العدالة بجميع وسائل الاحتيال، لأنه بعد بطلان إجراءات التنفيذ الأول تمت إعادة التنفيذ بواسطة العدلين ومأمور إجراءات التنفيذ الأول” مع العلم أن محضر التنفيذ الذي تم إبطاله يختلف كليا عن محضر التنفيذ القانوني من حيث مساحة الأنصبة وموقعها في العقارات التي تمت القسمة فيها، لذلك لم يدل الموكل ولا أقول المحامي به للمحكمة (دون حياء أو حشمة) وهو التعبير الذي فضل استعماله في حق المستأنف في مذكرته الجوابية الذي لم يعر اهتماما لحكم أقحم في الموضوع “بقصد التشويش” على العدالة وتغليط القضاء وتوجيه عن الموضوع الحق.

وأخيرا وليس أخرا أقول للوكيل و للموكل “إذا لم تستحييا فافعلا ما شئتما وقولا ما تشاءان فالله الجبار يمهل ولا يهمل القائل سبحانه ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) صدق الله العظيم.

 

 

شاهد أيضاً

لم يتم إعادة تنظيم ملتقى التشغيل بالقنيطرة

لماذا لم يتم إعادة تنظيم ملتقى التشغيل بالقنيطرة بعد مرور جائحة كورونا إلى الآن ؟ …

ضرورة تطبيق الشوماج

  ضرورة تطبيق الشوماج والتغطية الصحية للمجازين وأصحاب الماستر والدكتوراه: خطوة نحو دعم الشباب في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *