الشاملة بريس- بقلم: زايدالرفاعي
مرحبا بكم..
اليوم أدعوكم لتتسكعوا في زنزانتي الحرة -أقصد غرفتي- طبعا ليس الجميع؛ فممتلكاتي ليست رخيصة لهذا الحد ولا متاحة لكل من هب ودب..!
مرحبا فقط بأمثالي من المتمردين، الغامضين، والممانعين متقلبي النبض والمزاج..
تفضلوا فلا سر أمامكم بعد اليوم، أدخلوها آمنين فالباب مفتوح عن رئتيه!
لكن؛ قبل أن أنسى دعوا نعالكم خارجا، فأي نعال تلك التي لم تحظى بمناداة مرسيل ولم يقبل الأرض من تحتها درويش، واتركوا إلى جانبها عقولكم فغرفتي لا تطيق العقلاء.
فقد علمني خليل جبران أن الإنسان يحتاج إلى قليل من الجنون لكي يعيش، وعلمني نيتشه أن المجنون هو من فقد عقل المجتمع واكتسب عقله..
فتفضلوا بقلوبكم لا بعقولكم لكي تتجولوا بين دفتي كتبي، وصفحات دفاتري وقوافي خواطري..
سأعرفكم على أصدقائي الأوفياء.. الأموات منهم والأحياء، الرجال منهم والنساء، الفلاسفة منهم والشعراء، المفكرون منهم والأدباء، فاستعدو كي تسامروا الأموات وتمسحوا الدموع عن أروقة الأصوات، أصوات صداها هواء وعتباتها هواجس.
كونوا أقوياء وتسلحوا بالكبرياء.. فلا مكان في غرفتي للضعفاء ولا عزاء عندي للجبناء، وما كانت أصلا القراءة يوما أهلا لأسلال السفهاء.
لحظة؛ فهذان اللذان يرتديان الكوفية هما “محمود درويش” و “ناجي العلي” اللذان برهنا على أن القلم الحر والكلمة الأبية أقوى من الرصاص، فدرويش هو من قال سأكون يوما ما أريد لكنه لم يصر ما أراد بسبب تقاعس وتخاذل وتآمر العرب على بعضهم البعض، فمات قبل أن يكون وطنه فلسطين حرا.. وأما ناجي الكاريكاتير الفذ، فقد استشهد برصاصات الغدر الصهيوماسونية لكنه ترك حنظلة المقاوم، المتمرد، موجودا حيا داخل كل من يأبى القيود، ويواجه براثن الموت بدل المرة ألف مرة..
وهذه “أحلام مستغانمي” شمس فوضى الحواس وشمعة الشرق، البعض يراها صاحبة القلم وسيدة الأحلام، في حين يراها البعض ناسجة الأوهام والسبب في ارتفاع العنوسة بالحروف والأرقام، أما أنا فأرها إسما على مسمى، أحلام وعبرت عن أحلامنا المستحيلة، فنظمت فوضى الحواس، وجعلت للجسد ذاكرة، والفراق شهيا، والأسود يليق بنا كأفراد وعشاق وشعوب وحكومات وهواجس…
وأما هذه ف”نوال السعداوي”.. أيعقل أنكم لا تعرفونها؟؟
إنها المرأة الحديدية التي تمردت عن تقاليد أسرتها قبل أن تتمرد على سياسات مجتمعها، ويكفي دليلا كتابها الذي أثار عليها سخط الأنظمة العربية والمعنون ب” الإله يستقيل من اجتماع القمة”… أما ما كتبته عن الجنس فحدث ولا حرج، وكفى كتابها “المرأة والجنس” الذي كسر الطابو وجهر بالمسكوت عنه، لهذا فليس عبثا إن رأيتموني أضعها إلى جانب رواية الصعلوك محمد شكري ” الخبز الحافي”.. وإلى جانب روايتا محمد زفزاف “محاولة عيش” و “المرأة و الوردة”..وكذا إلى جانب رواية “برهان العسل” ل سلوى النعيمي، التي أبهرت القراء في أسلوبها الذي يفوق التمرد، فمحمد شكري يبدو أمامها طفلا صغيرا مؤدبا إلا من بعض فلتات المراهقة.. لذا لا أنصحكم بقراءتها حرصا على سلامة أخلاقكم..
أما هذه الأوراق والدفاتر المبعثرة فدعوها وشأنها لأنها مليئة بكتابات تافهة وخواطر ساذجة لشاب لا يزال في طريقه للبحث عن الذات.. ولا تسألوني عن سبب هذه الفوضى والأوراق المبعثة، لأني ببساطة أكره النظام ولا أطيق الأشياء النمطية..
هذا الركن أخصصه للكتب الدينية التي ألجأ إليها كلما أحسست أن ذنوبي انعطفت، وأن الأدب ينحو بي إلى التسلل نحو شباك الرذيلة الأيديولوجية والخطيئة الفكرية، فأعود إلى قراءة السيرة العطرة للنبي ونزرا من القرآن وبعضا من تراتيل الإنجيل لتحقيق التوازن لا ريب، أيضا الى بعض صفحات سيدا الجنة “الحسن والحسين” أو بعض مقتطفات من الخلفاء..
وهذه كتب عن تاريخ الإخوان المسلمين، وذاك الكتاب المتوسط الحجم لزينب الغزالي” أيام من حياتي”.. وإلى جانبه كتاب سيد قطب “لماذا أعدموني..!” و لم أضعهما جنبا إلى جنب عبثا؛ فليس في غرفتي شيئا اعتباطيا، وإنما لأنهما أعدما معا من طرف نظام جمال عبد الناصر في يوم واحد.. ولا تتعجبو إن وضعت بينهم كتاب أرنيسطو شي غيڤارا “حرب العصابات” فأنا أومن بصراع الأفكار وأراه المحرك الأساس لتطور الفكر وإحياء الدياليكتيك، وأيضا إلى جانبهما بعض كتب عبد السلام ياسين و سيد قطب والشيخ عبد الحميد كشك كحب للإطلاع وللثقافة العامة.
وهذه بعض الكتب الصغيرة في الحجم، الكبيرة في المفعول، على اليمين “الأمير” ل نيكولا ميگيافيلي..وعلى اليسار “كفاحي” ل أدولف هيتلر.. الذي تعلمت منه أن السياسة هي فن العمل في حدود الممكن.
أما هذه الزاوية فهي لكتب منسية قرأت بعضها، والبعض الآخر في حانة الإنتطار، ستجدون كتب رولان بارث، إيكو، هايدغر، باولو كويلو، دوستوفسكي، كريستيفا، سيمون، أگاثا، برادة وزفزاف وبنگراد وكيليطو، الطيب صالح وبورديو، وآخرون…
مهلا؛ هذه العلبة أقدس ما في الغرفة، وأثمن من كل الكتب، لا تلمسوها فضلا وليس أمرا، عن نفسي لم أمسسها، لم أقربها، ولم أفتحها لسنين خلت…