حقوق الإنسان وأهداف التنمية المستدامة
28 مايو، 2021
تربية وتعليم
935 زيارة
الشاملة بريس- بقلم: د. محمد العبادي
في عام 1986 تبنّت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان الحقّ في التنمية، اعتبرت فيه أن الإنسان هو موضوعها الرئيسي، وأن جميع البشر يتحمّلون مسؤولية في هذا الصدد، فردياً وجماعياً.
ولا تتحقّق التنمية بمفهومها الشامل إلا في فضاء قوامه الحرّية واحترام الحقوق، وحفظ الكرامة؛ فالإنسان كما رأينا هو محور هذه التنمية التي لا تتوقف على تلبية حاجة بعينها بقدر ما ترتبط بمقاربات شمولية تحيل إلى عناصر مختلفة ومتكاملة في الآن نفسه..
وتقتضي المقاربة الحقوقية للتنمية استحضار المعايير المتصلة بحقوق الإنسان (الكونية والإنسانية وعدم التمييز والشمولية وعدم القابلية للتجزئة) في السياسات التنموية؛ وتوفير مكوناتها الأساسية من خدمات تعليمية، وصحية، وعدالة، ودخل كاف؛ وبلورة سياسات تنموية منفتحة على المواطن؛ والنظر إليها كحق وليس منّاً؛ وإشراك المواطن في اقتراح ومواكبة ومراقبة المشاريع التنموية..
ونعود بالتاريخ حيث أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة إعلان حقوق الإنسان في 10 كانون الأول/ ديسمبر 1948 بهدف “حفظ كرامة جميع أعضاء الأسرة البشرية، وحقوقهم المتساوية غير القابلة للتصرف فيها كأساس ضروري لتحقيق الحرية والعدالة والسلام في جميع أنحاء العالم” . وهي عبارة عن مجموعة من المبادئ العامة أو القواعد التوجيهية، لها قيمة أدبية ومعنوية، وتتمتع بالثقل السياسي والأخلاقي، لأنها صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولكنها لا تتمتع بالصفة الإلزامية، لذا يمكن عدّ الإعلان المذكور من قبيل العُرف الدولي، تنطبق على جميع البشر بغض النظر عن أعمارهم . وقد أصبح هذا الإعلان معيارًا تقاس به درجة احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتقيد بأحكامها.
أما التنمية المستدامة، فهي رؤية تهدف إلى تلبية احتياجات الجيل الحالي دون التهاون في احتياجات الأجيال المقبلة، ولها ثلاثة أبعاد: اقتصادية، وبيئية، واجتماعية – ثقافية.
ما العلاقة بين حقوق الانسان والتنمية المستدامة؟ يقودنا التأمل في مغزى حقوق الانسان وفي المضامين التي وردت في إعلانها، وكذلك التأمل في مبررات ولادة مفهوم التنمية المستدامة، وفي غاياتها وميادينها إلى إدراك عمق العلاقة بين المفهومين، ما يدعونا إلى القول بأن لا تنمية مستدامة من دون حقوق إنسان، ولا حقوق من دون تنمية مستدامة، فالعلاقة بينهما تفاعلية – جدلية، ويتأكد ذلك من خلال المناقشة الآتية:
* من أجل إعمال حقوق الإنسان، لا بد من توفير إطار حقوقي يمكّن التنمية المستدامة من استيعاب هذه الحقوق وإدماجها في برامجها، ويجعلها برامج قابلة للتحقيق على أرض الواقع، ومن ثم يسمح بتقويم ما تم إحرازه.
فمن أجل أن تكون التنمية المستدامة منصفة وعادلة، ومولّدة للنمو الاجتماعي والاقتصادي، ومحققة للاستدامة للبيئة؛ لا بد من تضمين خططها وبرامجها بحقوق الإنسان التي تُعدّ بمثابة الموجهات لتلك الخطط. مع الأخذ بعين الاعتبار جملة المبادئ التي تنطلق منها التنمية المستدامة منها: دمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والاقتصادية في عملية صنع القرار بشكل فعّال، وتحقيق شرط المشاركة الاجتماعية، والعدالة والإنصاف والمساواة ضمن الأجيال وبينها، والشفافية والحرية والحكم الرشيد.
* تُعدُّ التنمية المستدامة الرافعة الضامنة لتطبيق حقوق الإنسان بأبعادها المركبة: السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فلا حقوق إلا في إطار التنمية المستدامة بأبعادها الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. فكيف يمكن بلوغ حقوق الإنسان الصحية والمعيشية والتعليمية من دون تنمية مستدامة تدمج في خططها تلك الحقوق؟ كيف يمكن تأمين حقوق الإنسان الاقتصادية والقضاء على الفقر في بيئة سياسية – اقتصادية، تتسم بانتشار الفساد والتسلط؛ فالعلاقة وثيقة بين عدم احترام حقوق الإنسان، وتفشي الفقر والفساد. كيف يمكن تصور إمكانية تطبيق حقوق الطفل في البقاء والنماء مثلًا، وكذا حقوق المرأة في التمتع بالصحة، وحمايتها من التمييز، أو القضاء على الفقر المدقع والجوع، و تحقيق تعميم التعليم الابتدائي للذكور والإناث، من دون تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين المرأة.
* الحرية أداة التنمية المستدامة وضمان الحقوق وغايتهما: كتب أمارتيا صن : “إن تحقيق التنمية المستدامة، وبالتالي، وجود تنمية ومساواة اجتماعية، وفقر أقل، وثقافة غنية وحيّة، وبيئة صحية، كلها أمور تتطلب وجود مؤسسات كفؤة، وشفافة، وخاضعة للمساءلة. فهذه المؤسسات تضمن بناء القدرات البشرية، وإيجاد فرص متكافئة، وصون الكرامة والحقوق للجميع. وبحسب هذه الرؤية تكون التنمية ملازمة للحرية. فالتطوير يتوقف بالكامل على الفعالية الحرة للشعب. ولا حرية حقيقية من دون إعمال حقوق الإنسان.
فالحرية غاية أولية/ أساسية، يُنظر إليها كضرورة موضوعية للتعامل مع حاجات الإنسان، وفي مقدمها الحقوق، والنظر إليها كمنظومة مترابطة ومتكاملة ومتفاعلة فيما بينها من خلال تعظيم قدرة السكان على مواجهة الفقر بكل تجلياته: “الفقر المادي، وفقر الحماية والأمن، والحرمان من الحب الناجم عن التسلط والعلاقات الاستغلالية للبيئة الطبيعية، وفقر الفهم والإدراك، وفقر المشاركة، وفقر الهوية الناتج عن التسلط وفرض القيم الغريبة على الثقافات المحلية، التهجير والنفي السياسي…”؛ فلا حرية مع الفقر، ولا حقوق.
الحرية، من جهة أخرى، أداة فعالة للإسهام في التنمية الاقتصادية: الحريات السياسية، أي الحقوق المدنية، التي يتم التعبير عنها بالفرص المتاحة للناس لكي يحددوا من له الحق في الحكم، وعلى أي المبادئ يجب أن يحكم، وإمكان مراقبة السلطات وانتقادها، والتمتع بحرية التعبير السياسي، وإصدار الصحف من دون رقابة، وحرية الاختيار بين أحزاب سياسية مختلفة.. إلخ. وكذلك الاستحقاقات السياسية المقترنة بنظم الحكم الديمقراطية بأوسع معانيها، مثل توفر فرص الحوار والاختلاف والنقد السياسي، وحق الاقتراع والمشاركة في انتخاب أعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية.
هذا ما يبرر بروز مفهوم التنمية القائم على حقوق الإنسان ليكون بمثابة إطار مفاهيمي يستند إلى المعايير.