الشاملة بريس- إعداد: عبد اللطيف أحمد/ وزارة إعلام مملكة أطلانتس الجديدة (أرض الحكمة)
إدارة الدولة
لا فرق بين إدارة الدولة، أو إدارة خاصة، كشركة أو مستشفى أو معهد من جهة أصل البنية، وإنما الفرق هو أن إدارة الدولة شيء كبير، والإدارة الخاصة شيء صغير، كالفرق بين الحمامة والعصفور، أو بين النمر والقط، حيث إن الأجهزة في الأول كبيرة وفي الثاني صغيرة، مع كون البنية في كليهما على نمط واحد، ولذا ليس لإدارة الدولة خصوصيات متزايدة في أصل البنية الإدارية.
نعم في الدولة أجهزة كثيرة، بينما في الشركة أو المدرسة أو ما أشبه أجهزة قليلة، فالدولة تشتمل على أجهزة اقتصادية، وأجهزة اجتماعية وأجهزة زراعية، وأجهزة صناعية، وأجهزة تجارية، وأجهزة مالية، وأجهزة صحية، وأجهزة دفاعية، وأجهزة بحرية، وأجهزة برية، وأجهزة جوية، كما أن الدولة ترتبط بالشرطة، وبالمباحث، وبالسجون، وبالمستشفيات، وبالمدارس، وبإنتاج مختلف أنواع الأسلحة، وبإنشاء الطرق، وبرعاية الطفولة والأمومة وغير ذلك، وإدارة الدولة بصورة عامة، تهدف إلى تحقيق هذه الأهداف وغيرها.
واللازم أن يكون التنسيق العام بين هذه الأجهزة، وذلك إنما يكون بتنفيذ السياسة العامة للدولة بتنسيق المجهودات الفردية والجماعية لهذه الأهداف، كل شيء في موضعه، ولذا عرّفها بعضهم بأنها نشاط الجماعات المتعاضدة في خدمة هدف واحد، في الإدارة التشريعية والتنفيذية والقضائية والإعلامية والثقافية وغيرها.
فوارق بين الإدارة العامة وإدارة الأعمال الخاصة
أما ما ذهب إليه بعضهم من الفرق بين إدارة الدولة، والإدارات الخاصة بوجوه، فهو غير تام، إذ في كل من الإدارتين يشاهد هذه الأمور التي ذكرها هذا البعض، ونحن نذكر تلك الأمور التي قال بأنها فارقة، ليظهر عدم كونها كذلك، قال: الفروق بين الإدارة العامة، وإدارة الأعمال الخاصة.
أولاً: يعمل المشروع العام عادة في ظروف احتكارية، بينما تسود المشروعات الخاصة، روح المنافسة الحرة.
وثانياً: يجب على الموظف العام، وهو يؤدي واجبه في نطاق الإدارة العامة، أن يلتمس روح الخدمة العامة، وليس المقصود من الإدارة العامة، تحقيق أرباح، بل تقديم منفعة عامة للمواطنين، بخلاف الإدارة الخاصة.
وثالثاً: يجب على القائمين على شؤون الإدارة العامة، الالتزام بقاعدة المساواة بين المواطنين، وعدم إيثار بعضهم بأنواع ممتازة من الخدمات.
ورابعاً: الغالب من نطاق الإدارة العامة، أن يعمل الموظف بصفته لا باسمه، ومن ثم فان الجمهور لا يهمه أن يعرف اسم الموظف الذي يعامله، ولهذه القاعدة استثناءات في بعض الأحوال.
وخامساً: يهيمن على الإدارة العامة، قاعدة المسؤوليات العامة، فرجال الإدارة العامة مسؤولون عن تصرفاتهم أمام الجمهور، وتتحقق هذه المسؤولية بعدة طرق، السياسية منها والقضائية وغيرهما.
وسادساً: تخضع الإدارة العامة، لقاعدة تزويد الأفراد بكافة المعلومات التي تعينهم على استعمال حقهم في الرقابة، ولذا فإن من واجب الإدارات العامة، إعداد وسائل الإعلام وتسهيل مهمة الأفراد في الحصول على ما يشاؤون من معلومات، وعدم حجب تلك المعلومات، إلاّ في الحدود التي تقتضيها المصلحة العامة.
وسابعاً: تخضع المشروعات العامة لتنظيم يتم على نطاق واسع، ويتفرّع على هذه الصفة كثير من المشاكل، التي يواجهها علم الإدارة العامة في الوقت الحاضر.
وثامناً: لما كانت المشروعات العامة، لا تخضع لظروف المنافسة الحرة التي تسود المشروعات الخاصة كقاعدة عامة، فقد اصبح من المقرر، الاستعاضة عنها بقاعدة اختبار الكفاءة، التي يقصد من ورائها الكشف عن الكفاءات في الأشخاص، وإيجاد الحوافز لزيادة الإنتاج.
وتاسعاً: إن الإدارة العامة، تسير سيراً مستمراً في طريق القانون الإداري، إذ أن القانون له الأثر المباشر على كافة الموضوعات، التي تثيرها دراسة الإدارة العامة.
وعاشراً: إن الناس مجبورون من الإدارة العامة للدولة، بينما ليس الأمر كذلك بالنسبة إلى الإدارة الخاصة.
وأنكر بعضهم أغلب هذه الفروق المذكورة، بين الإدارة العامة، والإدارة الخاصة، وإنما ذكر أن الفروق تنحصر في ثلاثة نقاط جوهرية ناتجة من المجال الحكومي، وهي:
أولاً: الارتباط بالسياسة.
والثاني: الارتباط بدستور الدولة وقوانينها، الأساسية والفرعية.
وثالثاً: حجم التنظيم.
وبيّن تفصيل هذه الأمور بقوله: أما الارتباط بالسياسة، فلأنه ترتبط الإدارة العامة ارتباطاً وثيقاً بالسلطة التشريعية، والترتيب السياسي للمجتمع، بينما تحديد الأهداف ورسم السياسات في المشروع الخاص، يدخل في صميم أعمال الإداري في المشروع، وغالباً ما يتوقف على اعتبارات اقتصادية محضة، أما في الإدارة العامة، فإن تحديد الأهداف والسياسات العامة، يدخل في صميم نشاط السلطة السياسية، وكثيراً ما تتوقف على اعتبارات سياسية واجتماعية، بخلاف الاعتبارات الاقتصادية، ومن ناحية أخرى فإن السلطة السياسية، تراقب أعمال الإدارة العامة، حيث يتم محاسبة الوزراء أمام المجالس النيابية.
وأما الارتباط بدستور الدولة وقوانينها، فلأنه ترتبط الإدارة العامة، ارتباطاً جوهرياً بدستور الدولة وقوانينها الإدارية، فيحكم الدستور والقوانين الإدارية، تصرفات الإداريين والموظفين العموميين، ومن المشاهد أن القوانين تتغلغل في مختلف الأمور الحكومية، سواء كان ذلك يتعلق بصرف الأموال، أو قبضها، أو بتعيين الموظفين، أو نقلهم، أو ترقيتهم إلى غير ذلك.
وأما الفرق في حجم التنظيم، فلأنه يتوقف عبء الإدارة العامة، على القيم الفلسفية السائدة في المجتمع، فإذا كان المجتمع يؤمن بأن احسن حكومة، هي التي تحكم احسن ما يمكن، لأصبح عبء الإدارة العامة متوقفاً إلى حد كبير، على حماية أفراد البوليس والقضاء والدفاع، وقد تتدخل الحكومة للقيام ببعض الأعمال للمنظمة في النشاط الاقتصادي، لتمشية أمورها المالية، ومن ناحية أخرى فقد يؤمن المجتمع بأنه من واجب الحكومة، تحقيق الرفاهية للمجتمع ككل، وفي هذه الحالة يكون عبء الإدارة العامة كبيراً، وكلما كان عبء الإدارة العامة كبيراً، كان التنظيم الإداري تنظيماً ضخماً معقداً، حيث يكثر عدد الوظائف والموظفين، وتزيد المستويات الإدارية.