الشاملة بريس- اطلانتس الجديدة ارض الحكمة
رماز الأعرج ,
الجزء الأول (المحاضرة 22 )
(التنمية المستدامة , جذور إشكاليات وحلول)
الحروب وأشكالها الأساسية
ربما يشعر القارئ أن موضوع الحروب قد اخذ مساحة كبيرة أكثر من غيره في البحث والدراسة , ولكن هذا ليس مزاجي , بل بحكم طبيعة موضوع الحروب الشائك المعقد , وهي من اعقد السلوكيات البشرية المدمرة للمجتمع والحياة , وهي ظاهرة قديمة موروثة وليس حديثة , وظاهرة يمكن علاجها التخلص منها فيما لو استطاع المجتمع فهم جذورها العميقة ووضع العلاج المناسب لها والمباشر , وفي السياق السابق كان الحديث عن جوانب معينة من الحروب , ولكن بقي الكثير , وسنحاول اخذ القليل ولاختصار قدر المستطاع , على أن لا نضعف المادة و نعطي لكل قسم منها حقه كما يجب .
الصراعات والحروب متنوعة ومتعددة الأشكال والأبعاد والأسباب والظروف , وليس كل صراع هو حرب وليس كل صراع قد يؤدي إلى حرب , وكلمة صراع كلمة ومطاطة وحمالة للأوجه ومن الضرورة حين استخدامها أن يكون السياق الواردة به موضحا للمقصد وإلا وقعنا في معضلة في اتساع التفسير , فهناك صراع فكري وسياسي وصراع الطبيعة وصراع العقول وصراع الإرادات إلى ما كناك من تعبير يرد به مفهوم الصراع , والحرب شكل من أشكال الصراع .
وتتوزع الحروب وتتنوع لكن جوهرها واحد ونسوق هنا بعض الأنواع الأساسية من الحروب الدارجة بكثرة
الحروب التقليدية
الحروب التقليدية هي تلك الحروب التي تقع بين دولتين مختلفتين على قضايا اقتصادية ومصالح إستراتيجية , وتكون هذه الحرب بين طرفين بينها توازنات قوى متقاربة أو متشابهة , ولا تقع الحروب الكبيرة من هذا النوع لأي سبب , بل هناك ظروف ومصالح كبرى هي ما تسبب نشوب هذه الحروب , وفي الغالب يتداخل المحلي مع الإقليمي والدولي , وخاصة حروب اليوم المعاصرة , وليس من حرب أو صراع محلي معزول أو منفرد عن الصراعات الإقليمي والدولي .
بما أن العالم أصبح قرية صغيرة وتطورت مصالح الدول الكبرى وأصبحت ممتدة عبر العالم بكامله بات لدينا تشابك في المصالح حتى بين الأعداء أنفسهم , وليس الحرب المعاصرة سوى شكل من أشكال العلاقة بين طرفين بينهما صراع مصالح متعثر الحلول بالتفاوض والحوار .
وأصبح اليوم مفهوم الحروب التقليدية لا يستعمل أو يقع فعليا بين هذه الدول الكبرى المتصارعة على تقاسم العالم من جديد بناء على تطور المصالح والقوى الصاعدة في العالم , وحتى في حال وقع أي احتكاك بينها , يحافظ الجميع على مستوى من التصادم لا يسمح بنشوب حرب مباشرة شاملة , هذا اليوم يعني القضاء على دول كبرى وتدمير شبه كامل لكلا الطرفين أو بتفاوت , والجميع يدرك مخاطر هذه الصدامات الكبرى اليوم .
ناهيك عن التكلفة التي ستكون مرتفعة جدا لجميع الأطراف المشاركة في المعركة , لذلك أصبحت هذه الدول تحاول دوما تجنب المواجهة المباشرة , وأصبح التركيز على وسائل جديدة في الصراع , هذه الوسائل أقل تكلفة وتبعد الصراع عن الحسم الكبير كما حصل في الحروب الكونية مثلا , والتكلفة لن تكون اقل بل ربما أضعاف مضاعفة هذه المرة .
وهنا ظهرت الحاجة إلى الحروب بالوكالة , ودعم قوى ما موجودة في المنطقة لتقوم بهذه المهمة القتالية , ويتم دعمها وتسليحها وتدريبها لتكون أداة في الصراع بين القوى الكبرى , كما يحصل اليوم في العالم في الكثير من المناطق الساخنة التي استوطنت فيها الحروب منذ الحرب العالمية الثانية ولم تتوقف , وخاصة في الشرق الأوسط والمنطقة العربية على وجه الخصوص , فهذه المنطقة ما زالت لم تبلور كيانها بعد , وما زالت منقسمة بين مؤيد للمستعمر ومتجه نحو التحرر.
ورغم أن اكبر والديمقراطيات في العالم تضع كل من يؤيد أو يميل إلى أعدائها في السجن , إلا أن الديمقراطية في المنطقة العربية تتيح وتسمح بوجود قوى سياسية متساوقة مع الاستعمار ومع أعداء البلاد المباشرين , وبكل وقاحة يتم الدفاع وحماية هذه القوى من قبل تلك الدول التي تشغل هذه القوى , بل وتصل إلى أن تصبح السفارات مركز للتجسس وإدارة الصراعات في البلد المعني والمأزوم , ومثل هذه الظاهرة لا يمكن أن تجدها في أي دولة من الدول الكبرى إطلاقا .
وتشكل هشاشة النظام السياسي والفساد وضعف المؤسسات الرسمية مدخل وأرضية خصبة لمثل هذا النظام المترهل والمنشغل في السرقة ونهب البلاد إلى جانب القوى المستعمرة .
رماز
ارض الحكمة