تحية الفكر والإرادة المتجددة
الشاملة بريس- مملكة اطلانتس الجديدة ارض الحكمة
(المحاضرة 31 ) في ,فلسفة البناء, (الجزء 2)
رماز الأعرج
أن بقاء مسألة الملكية خارج نطاق الوعي الاجتماعي و السياسي يساهم في استمرارها لآلف السنين دون الوعي إلى طبيعة المشكلة الأساسية للمجتمع البشري الطبقي القائم على أساس الملكية الخاصة القديمة البدائية الذكورية التي نشأت على ضوء الانقلاب السياسي والاجتماعي الذي قام به الرجل حين فرض نظام الملكية الجائر على الأسرة والجماعة وأقام سلطته الغاشمة مكان سلطة الأم الأنثى الحافظة الراعية, ليقيم مكانها سلطانه الجائر الذي امتلك المرأة والمجتمع بأكمله بما في ذلك النظام السياسي , وذلك ما زال قائم حتى يومنا هذا فجميع الأنظمة السياسية المعاصرة في النهاية هي أنظمة ذكورية بامتياز .
إن العقلية والمزاج ألذكوري هو ما يحكم طبيعة العالم والسياسة العالمية والدولية, فالمجتمع المعاصر مجتمع ذكوري بامتياز رغم كل ما نراه من تغيرات شكلية على وضع المرأة في بعض المجتمعات المعاصرة والحديثة.
وهنا بالتحديد تكمن المشكلة الأساسية التي بدون حلها لا يمكن تحقيق العدالة أو المساواة بين الفرد و المجتمع, أي نوعية الملكية القائمة اجتماعيا, فنظام الملكية الخاصة وطبيعته الظالمة هي جوهر الصراع الاجتماعي بكامله, ولا من شيء آخر تتصارع الناس عليه بل وتنقسم إلى طبقات متعددة بحسب الملكية في النهاية.
وأي كان طبيعة المجتمع وثقافته فلا فارق جوهري بينها ما دامت أنظمة ملكية خاصة لوسائل الإنتاج, ولو عدنا إلى التاريخ البشري سنكتشف أن نظام الملكية الخاصة الاستغلالي عمره يقارب العشرة آلاف عام أو يزيد حسب مكتشفات علم الآثار, و تبين لنا في دراسات وأبحاث سابقة أن النظام الاستغلالي لم يتغير من حيث الجوهر عبر هذا التاريخ الطويل من السنين والصراعات البشرية, وذلك ليس بسبب عدم القدرة على تغير نظام الملكية الخاصة, بل بسبب الملكية ذاتها والصراع عليها, وليس على إلغائها أو المساس بجوهرها, فالأنظمة السياسية عبر التاريخ هي أنظمة طبقية بامتياز وجميعها أنظمة ملكية خاصة بل هي نشأت بالأساس على قاعدة الملكية الخاصة, ولولا نظام الملكية الخاصة لما رأينا أي شكل من أشكال النظام السياسي.
إن أي نوع من الحرية لا معنى له ولا قيمة ما دام خارج عن نطاق المساواة الاقتصادية أولا, بغض النظر عن القدرات الممكنة للفرد, ولا حرية خارج إمكانية أن يتفاهم الناس على الملكية وطبيعتها, وكيفية توزيع المنتوج الاجتماعي بالأساس, وبقاء لعبة الله وتدخله في الأملاك وتوزيعها على الناس ليس سوى لعبة سياسية تم دسها على الأديان منذ زمن بعيد من أجل الحفاظ على قدسية نظام الملكية الخاصة وضمانة بقائه خارج المنظور الاجتماعي والسياسي, وبذلك مهما بلغت درجة الحرية في القضايا التي يمكن للناس مناقشتها والتقرير بها يبقى قانون الملكية بمأمن من هذا الجدل والوقوع في أيدي الشعب لتقرير حريته, فلا حرية خارج نطاق المساواة الاقتصادية بين الناس أولا وقبل أي شيء آخر.
لا جدوى من أي حديث عن مساواة في الرأي والانتخاب ما دام هناك فقراء وجياع وهناك متخمين و ثرواتهم تتجاوز ما يكفي لإطعام الشعب لعدة أعوام, و واهم كل من يعتقد أن الديمقراطية ستحقق للشعب الحرية والعدالة أو المساواة, فالديمقراطية أصلا غير مؤهلة لذلك بل هي مؤهلة ومعدة كلعبة لخداع الجمهور وتضليله بالدرجة الأولى, فكيف لها أن تكون هي الدواء والداء معاً.
إن هذا يبدوا محال طبعاً فالديمقراطية أصلا نظام سياسي طبقي ولهذا فهي أساس النظام الطبقي وطريق الإدارة الصراع بين الطبقات في تداول السلطة السياسية, بينما في المجتمعات المعاصرة السلطة السياسية ليس سوى نظام مقطع على البلاد ليستغلها لصالح المستعمر الكبير, فتصبح الديمقراطية في هذه الحالة عبارة عن أداة لإخضاع البلاد و تشريع خضوعها للمستعمر المسئول عن هذه العملية وإدارتها من أجل تحقيق مصالحه, فأين الحرية للشعب من هذه اللعبة؟
لا حرية للشعب خارج نطاق مفهوم الملكية وعلاجه من جذوره, لقد انتهت صلاحيته وغيره من القوانين الجائرة ولم يحافظ عليه حتى الآن سوى التضليل وخداع الشعب من خلال تغيب هذه المسألة الأساسية البنيوية عن المنظور العملي والقانوني القابل للتغير, وبذلك استمر هذا النظام الجائر الرجعي آلاف السنين دون أي تغير حتى ولو شكلي عليه, وتوارثته الأجيال جيل بعد جيل حتى وصلنا اليوم كما نعرفه و ما زال موقع الملايين بل المليارات من البشر في نير العبودية الحديثة المقنعة التي فصلنا طبيعتها وشروطها وظروفها وتاريخها وأنواعها في مؤلف خاص أطلقنا عليه (العبودية المقنعة), وللمزيد من الإطلاع والتوسع بالإمكان الرجوع إلى هذا المؤلف الذي يشكل الجزء التاريخي من مادة الفلسفة.
اتضح لنا بالدليل القاطع والبرهان طبيعة النظام الربحي و المجتمعات الطبقية بكافة أطوارها, وتبين لنا بكل وضوح عبودية الإنسان القديمة القانونية والعبودية الحديثة والمقنعة, و أنواعها المعبرة عن حتمية العبودية في ظل النظام الربحي نظام الملكية الخاصة, ولا حرية للفرد أو الجماعة في ظل هذا النظام المعاصر الذي تطور لدرجة أصبح فيها محكماً سيطرته ليس على الشعوب بل على الأنظمة السياسية في العلم أبجمعه , ويقطع ما يشاء لمن يشاء دون أي تحفظ أو مواربة, وتحول العالم إلى دول مسيطرة ودول تابعة تخضع لنظام الإقطاع الإمبراطوري المعاصر.
ومن هذا نرى بكل وضوح مدى خطورة اللعبة الديمقراطية, فلا علاقة لهذا النظام بتجديد الحياة أو إعادة صياغتها بعلاقاتها الأساسية الاقتصادية, بل يقتصر الدور على ما تحتاجه الأنظمة السياسية من تشريع لها للحصول على السلطة وحسب, والبقية تبقى على حالها آلاف السنين, ومن هنا تأتي ضرورة النظر ليس في النظام الديمقراطي كشكل من أشكال الصراع على السلطة , بل من الضروري إعادة النظر في الحدود والقضايا التي يحق للشعب مناقشتها في مجالسه المنتخبة على الأقل, ومن ضمنها نظام الملكية وطبيعة توزيع المنتوج الاجتماعي وملكيته بما في ذلك الدخل القومي واقتصاد البلاد ومنتجاتها.
فلا جدوى من أي إجراء أو نظام مهما كان نوعه إن لم يعالج ويعيد النظر في طبيعة نظام الملكية الخاصة ونوعيتها وطبيعة نظامها الخاص والعام وتفاصيله الضرورية التي تكمل النظام الاجتماعي وتحدد موقع الأفراد الفعلي بناء عليه, من ملكية الطبيعة إلى حجم ملكية الأفراد الممكنة ونوعيتها إلى حق الاستثمار في وسيلة الإنتاج ونوعيته وطبيعة التصرف في المنتج ومن يملكه إلى ما هناك من قضايا أساسية هامة تعالج موضوع الملكية الذي بات واضحا وملحاً عدم تركه كما هو عليه تحت شعارات نظرية زائفة لا تؤدي سوى إلى التضليل وتأجيل المسألة الأساسية في الأزمات الاجتماعية جميعها إلى ما لا نهاية تحت شعار الطوباوية أو عدم توفر الظروف الملائمة لطرح مثل هذه القضايا الحيوية للنقاش وإعادة النظر.
إلى متى ستبقى هذه القضية خارج المنظور الشعبي الحالي والإستراتيجي كوسيلة فعلية وأداة يشكل تحقيقها أساس لسيادة العدالة الاجتماعية الحقيقية التي بدونها لا يمكن تحقيق العدالة والمساواة للبشرية مهما كبرت الشعارات وتنوعت يبقى الواقع هو الحكم النهائي لكل هذه الوقائع, وقد ثبت بالملموس عبر قرأتنا للتاريخ أن لا حلول ممكنة لتحقيق العدالة دون النظر في أساس الخلل في المجتمع وإعادة البناء على أساس جديد نوعياً, فالخلل في المجتمع الطبقي ليس خلل قانوني أو أخلاقي وقيمي , إنه خلل أساسي في البنية الأساسية التي عليها تقام جميع الأسس الأخرى التابعة لها, وبذلك لا يمكن إصلاح نظام الملكية الخاصة بل يجب تغيره من أساسه, أي تغير أساسي بنيوي يتبعه تغير مفاهيمي وأخلاقي وقانوني ملائم له بنيوياً وسياسياً و مفاهيم يا.
بهذا فقط يمكن تحقيق العدالة في المجتمع البشري أي بعد القضاء على الأساس الذي قام عليه الإستغلال ومن ثم إلغاء البنية وبذلك يتم إلغاء جميع مظاهر الإستغلال وتوابعه الفكرية والثقافية المفاهيمية العميقة والتي ترسبت خلال آلاف السنين في البنية الاجتماعية والوعي الجمعي للمجتمع, فقد طال عهد الظلام ومفاهيمه في البنية الاجتماعية وليس من السهل اجتثاثها في يوم وليلة بل إن ذلك يستغرق فترة طويلة من الزمن قد تستمر عدة عقود من السنين, هذا يعتمد على طبيعة المجتمع والمرحلة التاريخية لتطوره وطبيعته و ثقافته وبنيته الفكرية والحضارية ونمطه الاقتصادي بالأساس, فلن يكفي إقامة نظام اجتماعي بديل لما سلف, بل من الضرورة إعادة بناء المجتمع على أساس البنية الجديدة التي أصبحت مغايرة جوهرياً لما سلفها, وبهذا ستحمل التغير الجوهري في غالبية المفاهيم وخاصة الحقوقي والأخلاقي والقانوني منها.
فما جدوى جميع الحريات والتعبير عن الرأي إن لم يكن الناس متساوين في الواقع الاقتصادي المباشر, كحق من حقوقهم الطبيعية, وما الحاجة إلى أن يكتنز أو يحتكر أقلية من الناس كل طاقات وإمكانيات المجتمع تحت طائلة قانون بالي عفا عليه الزمن نشاء في فترة تاريخية غابرة ومتخلفة وسوداء من تاريخ المجتمع البشري, تلك الفترة التي انقلب فيها الرجل على المرأة وإنشاء سلطته السياسية الذكورية وأطاح بنظام المرأة الأمومي وقام سلطته وملكيته الخاصة الذكورية, هذه هي الظروف الحقيقية لظهور نظام الملكية الخاصة, وهذه ليس سوى مرحلة من مراحل المجتمع السياسية التي نشأت بناء على ظروفها الخاصة وليس قاعدة أزلية للمجتمع الإنساني يمكن أو يجب أن تحكمه إلى الأبد.
رماز
ارض الحكمة