تحية الفكر والإرادة المتجددة
الشاملة بريس- مملكة اطلانتس الجديدة ارض الحكمة
(المحاضرة 32 ) في ,فلسفة البناء,
رماز الأعرج
الفصل الخامس
الديمقراطية على صعيد الممارسة والتطبيق داخلياً وخارجياً
أ الديمقراطية داخلياً طبيعتها وفعلها
تختلف المجتمعات البشرية في ظروفها و ثقافتها وتتنوع, وقد ساهم العامل المعرفي والاقتصادي و لعب دوراً حاسما ًفي تطور الشعوب والجماعات البشرية, ولا بد من التذكير بأن للمجتمع البشري قوانينه العامة, و لكل جماعة خصائصها وثقافتها التي نشأت وتطورت في سياق مسارها التاريخي, وهذه الأخيرة يحددها نمط الحياة الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية والثقافية للشعب , وطبيعة المنطقة الجغرافية في حال كانت من الشعوب المستقرة, من مناخ وتضاريس وموارد عيش وغيره من العوامل الجغرافية والطبيعية, وقد أشرنا في مكان سابق إلى طبيعة الديمقراطية واختلاف ممارستها بين شعب وآخر وثقافة وغيرها, ولكنا هنا بصدد توضيح وكشف زوايا ورؤى مختلفة عن ما ذكر سابقاً.
فالنظام السياسي في النهاية بعد تشكله كنظام سياسي وحيازته على الشرعية السياسية سيعبر عن مصالح الطبقة السياسية المالكة للبلاد, وهي الطبقة الحاكمة في الغالب , ليس بحكم غالبيتها العددية بل بحكم غلبتها المالية والاقتصادية فهي من يمتلك القوة والموارد الاقتصادية للبلاد, وبما أن نظام الملكية الخاصة هو أساس النظام السياسي القائم, لا يمكن بأي حال تجاوز مصالح هذه الطبقة, حتى وإن لم تكن متواجدة مباشرة من ضمن الطبقة السياسية, وبذلك يصبح اختلاف الأنظمة السياسية في التسمية لا يشكل فارق كبير فيما بينها , ما دامت جميعها أنظمة ملكية خاصة.
في النهاية فإن النظام السياسي مهما بلغ من القدرة على السيطرة وخداع الشعب في الحريات الزائفة و حماية مصالح الشعب والأمة وغيرها من المفاهيم, ورغم كل ما يحاول أن يظهره من قوانين داخلية إنسانية ومنطقية مبررة, من مساواة أمام القانون, والحقوق الواجبات و وحدانية مفهوم المواطنة والحريات الفردية والشخصية, ولكن جميع هذه الشعارات تسقط وتتزعزع أمام أول تعارض لها مع مصالح النظام السياسي, وتمتلئ الشوارع برجال الأمن والعتاد والمعدات القمعية أمام أول حركة مضادة, وقد تفتعل بعض الأنظمة والأحداث, وتخطط لها من أجل استغلال الوضع المنفلت وإعلان قوانين الطوارئ.
ودون الدخول في استحضار الأمثلة, التاريخ المعاصر والحديث والقديم مليء بالأحداث الكبيرة التي افتعلتها الأنظمة السياسية من أجل تمرير قضايا معينة, إما لافتعال الحروب وتبريرها, أو لغيرها من المسرحيات وافتعال الأحداث و إعلان قوانين الطوارئ وغيرها من القوانين, من أجل السيطرة على الأحداث وقمع الحراك , أو تمرير مشاريع معينة.
ناهيك عن الكثير من تناقضات الديمقراطية الجوهرية والتي لا تعد لا تحصى, ومن أبرزها تلك التناقضات الأساسية المعروفة والأكثر وضوحاً مثل, الحرية والقمع, حيث تمنح الحرية للأغلبية وتحرم الأقلية وتقمع, يسمح للأغلبية بتحقيق مصالحها بينما تحرم الأقلية من ذلك, كما إن الديمقراطية هي قاعدة وحكم لمجتمع متناقض وليس متجانس, بل ويحكمه صراع ضاري بين الملاك ومعدمين الملكية, بشكل أساسي, عدى عن الصراع بين الملكيات و أنواعها وحجمها, فكل يمتلك مساحة من القرار السياسي بمقدار حجم ملكيته الاقتصادية, و بما أن الملكية الخاصة خارج الموضوع أصلا , فهذا يعني أن مصالح الطبقة الحاكمة دوماً في أمان في جميع الأحوال.
كما وتبقي الديمقراطية المجتمع في أزمة دائمة لا تتوقف أو تتغير, أزمة الأقلية الطامحة دوما لتحقيق الأغلبية والوصول إلى الحكم وتحقيق مصالحها, ولكن الأقلية الصغيرة لن تحقق ذلك يوماً بل ستبقى في صراع أزلي على أمل أن تحقق ذلك يوما ما, بينما الأغلبية ستبقى في صراع محموم من أجل الحفاظ على هذا الامتياز لصالحها, ولن تسلم أو تقبل ولو مرة واحدة أن تكون خارج السلطة السياسية, وبذلك نرى أن هناك أزمة أبدية بين قوى متصارعة على شيء لن يحققه إلا جزء منه والجزء الآخر سيبقى مقموع دوماً وفي جميع الأحوال, وهذا معناه إن المجتمع سيبقى تناحري إلى الأبد ما دام هذا هو النظام الحاكم له, وما دامت تركيبته وبنيته قائمة على هذا الأساس المجحف.
فالديمقراطية أساساً لم تقم في مجتمع متوازن وعادل بل هي نتاج مجتمع وتركيب طبقي و نظام اقتصادي قائم على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج وحرمان المنتج من إنتاجه, وهذا معناه أن التناقض تناحري وأساسي بين الناس وليس ثانوي أو اعتراضي, وهذا يعني بالضرورة إن الصراع الاجتماعي لا يمكن حله في مثل هذا التركيب القائم, بل ينعكس في كل شيء في حياة المجتمع البشري الخاضع لهذا النوع من العلاقات الاقتصادية الاجتماعية, حيث يبقى الصراع والتناقض دائم بلا هوادة بين مالك ومحروم الملكية.
وهذا الموضوع الأساسي هو خارج اللعبة أصلا , أي أن الصراع سيبقى على السلطة في الوقت الذي لا يعني الوصول إلى السلطة تغير النظام السياسي وطبيعته الجوهرية, بل السلطة مجرد أداة للنظام السياسي, ولا يمكن للفقراء أن يحققوا مصالحهم الفعلية بمجرد الوصول إلى السلطة, فالسلطة التشريعية من خلال مجلس الشعب لا تعني أكثر من السير وفق نظام البلاد السياسي في النهاية, فالقضية الأهم ليس من صلاحيات هذه السلطة التشريعية أصلا, فهي تشرع في نطاق صلاحياتها الممنوحة لها و التي لا تحتوي أصلا على صلاحيات من هذا النوع, مما يجعلها غير مجدية في النهاية وليس سوى لعبة وملهاة للشعب, وما يحصل في العالم من انقلابات على الديمقراطية الانتخابية دليل واضح على هذا الأمر.
يتبع الجزء الثاني
رماز
ارض الحكمة