تحية الفكر والإرادة المتجددة
الشاملة بريس- مملكة اطلانتس الجديدة ارض الحكمة
(المحاضرة 41 ) في ,فلسفة البناء,) الجزء الأول )
رماز الأعرج
ز: احتدام الصراع وأزليته بين الطبقات المتصارعة على الملكية
من أهم أسباب استمرار الصراع وبقائه صراع متواصل عبر قرون طويلة من الزمن , رغم كل ما خاضته الشعوب من صراعات وما قدمته من تضحيات في هذا الصراع التاريخي الطويل بين الملاك ومعدمين الملكية.
هذا هو الصراع الأساسي عبر تاريخ البشرية الطبقي, ولكن لم تحقق شيء ملموس على هذا الصعيد, بل ما زال الصراع محتدماً, وفي أوجه على نوعية الملكية و نظامها المرافق والهيكلية, والكثير من القضايا التاريخية التابعة لهذا الأمر الشائك والمعقد, وتاريخ البشرية الدامي شاهد على هذا الصراع الذي ما زال مستعراً حتى اليوم, بل وتعقد وتصاعدت حدته ودخل مرحلة غير مسبوقة من الانقسامات والتعقيدات.
هذا جعل النظام الرأسمالي نفسه ينقسم على نفسه, بين اتجاهين أساسيين, احدهما ينظر للملكية الخاصة الكاملة والشمولية, والثاني يطمح إلى الحفاظ على مساحة من الملكية الجماعية وإمكانية توسيع نطاقها وانتشارها, وهذا الاتجاه الأخير يمثل العلمانية التقليدية, بينما يمثل الطرف الآخر الأول , الداعي للخصخصة الشاملة, الليبرالية الجديدة.
في الوقت الراهن هذين الاتجاهين هما أساس النظام العالمي الرأسمالي المعاصر, و الصراع محتدم بينهما على من سيربح المرحلة عبر جولات متتالية في عدة بلدان ومناطق من العالم , ويتجلى هذا المثال بكل وضوح في أوروبا الغربية المعاصرة.
مما أدى إلى انقسام عمودي وأفقي في النظام الليبرالي والعلماني القديم, بحيث تطور جزء منه وانتقل إلى مرحلة جديدة مغايرة ومتطرفة في العودة إلى الخصخصة والقضاء على ما تبقى من مظاهر الملكية الجماعية, وخصخصة القطاع العام بالكامل بما في ذلك قطاع الصحة والتعليم.
بينما تطور الطرف الآخر لينتقل إلى مرحلة جعلته في تقاطع واسع مع الطبقات الفقيرة والمسحوقة, في الحفاظ على خدمات الدولة من صحة والتعليم و الحفاظ على مساحة واسعة من القطاع العام لصالح سيطرة الدولة, فالفقراء أصلا هم من يدفع ضرائب التعليم والصحة, وليس الأغنياء, لوحدهم, بل إن هذا النوع من الضرائب متساوي على المدى البعيد تقريباً وله نظامه المختلف عن نظام ضريبة الدخل.
بذلك فئن الطبقات الفقيرة هي من يدفع هذا النوع من الضرائب الأساسية وهي الأغلبية وهي المستفيدة الأكبر منها, وإلغاء هذه الخدمات سيعني أن الفقراء من الناس سيفقدون القدرة على الحصول على العلاج والتعليم المجاني وغيره من الخدمات, في الوقت الذي لن يتم إعفائهم من الضرائب, بل هي مجرد تخفيضات صغيرة شكلية تتوزع بين عدة أماكن وقطاعات لا تفيد الفقراء في شيء.
أدى هذا الواقع أي ظهور هذه التقاطعات في المواقف بين الفقراء والاتجاه العلماني الليبرالي والطبقات الفقيرة إلى ظهور تحالفات و اصطفاف جديد قائم على أساس المصالح الاقتصادية وتقاطعها ولم تعد الأيديولوجيا ذات أهمية كبيرة ما دامت المصالح الاقتصادية تتقاطع في المرحلة المعينة أي أن الأجواء والظروف التاريخية فرضت واقع جديد تأقلمت معه القوى المتصارعة وأدركت مصالحها مما جعلها تتغاضى عن الاختلاف الأيديولوجي أمام الغول الجديد الذي أصبح يهدد الجميع, وبشكل علني ووقح متغطرس.
لقد وسع هذا الانقسام مساحة الصراع العالمي وزاده تعقيداً, بل أدخل وأضاف الكثير من القضايا التي كانت سابقاً ظاهرة على السطح, مثل العلنية والجهر بغطرسة القوة وأحقيتها في الحسم والقرار , وخاصة إذا ما توفرت القوتين معاً في يد جهة ما.
إن ثقافة العصر الحديث هي نفسها ثقافة القطعان البدائية البرية, حيث الفحول الكبيرة والأقوى هي من تقرر مصير القطيع, وهي صاحبة الحق في التزاوج واستمرار النسل والسيطرة على كل شيء, إنه قانون البقاء الأول البدائي الغريزي, فهل المجتمع البشري مجرد قطيع من البهائم البدائية؟؟ أم هو مجتمع بشري له خصوصيته, وقوانينه الخاصة رغم أنه جزء لا يتجزأ من الطبيعة.
وهذا ما تنظر له الكثير من النخب المرتزقة التابعة للعالم الإمبريالي النيو ليبرالي, ويعتبر نادي روما مركزا لمثل هذه الأفكار المتعفنة و يعمل على دعمها وإن ليس بشكل مباشر أحياناً, وبذلك تم إعادة إحياء الفكر المتعصب المضاد للعولمة و الانفتاح , والعودة إلى فكرة تفوق العرق الأبيض وإلى ما هنالك من الخزعبلات القديمة التي احترقت كورقة منذ القرن الماضي حيث أثبتت جميع البحوث العلمية أن لا فارق بين البشر في الوعي والعقل والإبداع وجميع البشر متشابهين تماما كما القطط.
إن طبيعة المرحلة و مخاطرها ضيق الفجوة والمساحة بين المتضررين, وبذلك تلاقت مصالح الطبقات الفقيرة مرحلياً مع القوى السياسية الداعية إلى التعاون والتكافل بدل الصراع والصدام بين القوى والدول الكبرى, في العالم, والميول للتفاهم والتراضي وتبادل و التقاسم في الخيرات والموارد, و الميول نحو وقف الحروب والعنف والحفاظ على البيئة.
كثرة التقاطعات والمواقف بين هذه القوى الثلاث المتصارعة, و أصبح الانقسام واضح ولكنه شديد التعقيد والتفاعل, وطبيعة الرأسمالية كنظام اجتماعي لم تتغير جوهرياً, ولكن هناك واقع انقسام جديد فرضه تطور مصالح الرأسمال المالي والعسكرة الصناعية, وتجارة الحروب, بكافة السبل المتاحة, وهذا من أكبر المخاطر في العصر الراهن.
حيث تحولت الحروب إلى وسيلة ربحية مروعة تجني بها الشركات الكبرى مليارات الوحدات النقدية, بينما يدفع الشعب ثمن ذلك بؤس وتشرد وتهجير وتلوث ودمار البيئة والبينية التحتية للبلاد بعد نهب خيراتها ومواردها, إنه نهب وسرقة علنية مشرعة بالقوة والخداع والكذب والتزوير.
إن دخول هذا المسار على الصراع الأساسي نقل الصراع العالمي وتحالفاته و اصطفافه السياسية و الاقتصادية إلى واقع جديد , واقع مأزوم على شفير مسارين لا ثالث لهما, إما مواجهة هذا الوحش المتغطرس, والذي أصبح وضعه الأكثر اقتراباً وتشابها مع ظروف الحرب العالمية الثانية وتفاعلاتها .
و مع تطور في مصالح الرأسمال ونمو الفكر المتطرف الميال إلى السيطرة والعنصرية, وإخضاع العالم بكامله لنظامه وسلطته, بل و القضاء على كل مختلف على المدى البعيد, وهذا ما نراه اليوم يتصاعد كفكر وسلوك وتخطيط, بل واحتكار مغبون لا يرى سوى مصالحه المباشرة على حساب كل شيء, ولم يجد من أي قيمة أو معنى للقيم والأخلاق والنظريات جميعها, طالما القوة هي الحكم و هي المقرر, وبلا ضوابط سوى المصالح الكبرى للكبار.
هذا الوقع المعاصر الذي لم يتغير منذ أول نشوء للملكية الخاصة من حيث العنف والسيطرة للقوة وابتكار طرق ووسائل مختلفة وتنوعت وتتطور مع العصر والزمن للحفاظ على هذا النظام , وهذه الصراعات الطويلة الأمد التي عاشها وما زال يخوضها المجتمع البشري, ليس سوى أطوار لنظام الملكية الخاصة ذاته من حيث الجوهر , بين مد وجزر وتقاسم مصالح بين الطبقات المتصارعة بسب نظام الملكية وطبيعته العقيمة والمدمرة للمجتمعات.
حيث يصبح الإنسان دائما وأبدا في صراع مع الآخرين, في جميع الأحوال, سواء كان مالك أو مملوك, أو صغير الملكية, ولا يستغل أحد بحكم صغر مساحة الملكية التي بحوزته, طبعاً سيصارع دوما لزيادتها, وتوسيعها من أجل توسيع مصالحه وحريته, فلا حرية خارج الملكية , وتنتهي حريتك فور خروجك من نطاق ملكيتك, حيث تصبح في حدود ملكية الآخرين, لا مكان لأحد خارج الملكية, ومن لا يمتلك شيء, لا يمتلك حرية إطلاقاً, بل عليه دفع ثمن أي شيء يستعمله أو يستهلكه, بما في ذلك قبره.
والكبير الملكية سيبقى في صراع دائم وقلق وهوس لا ينقطع خوفا من فقدان هذه الملكية, بل ويسعى دوماً إلى تطويرها وتوسعها ومضاعفتها ما أمكن, فهذه طبيعة السوق والنظام, أما أن تكون حوتاً وإلا فلا مكان لك في وسط المحيط وعليك البحث عن المستنقعات الصغيرة, هذا يخوض صراع مزدوج بين أقرانه من الملكيات الأصغر منه, ومن جهة أخرى يخوض صراع دائم مع معدمين الملكية.
فهم المتضرر الأكبر من هذا النظام, وهؤلاء هم الذي يجب أن يبقوا مضللين, ومغيبين الوعي, وتائهين في قضايا شكلية بعيدة عن جوهر قضيتهم, الأساسية, وبذلك فصراعه معهم صراع وجود, رغم أنهم هم المادة الأساسية للاستغلال في السابق, كأيدي عاملة, و كمستهلكين, وهذا له معاني كثيرة وخطيرة فيما لو قورن بالعصر الراهن, وبالمستقبل.
في الماضي كان الرأسمال وطبيعة السوق الربح تعتمد على الأيدي العاملة بالدرجة الأولى, وهؤلاء الناس أنفسهم مستهلكين أيضاً, أي هم عمال ومنتجين من جهة ومستهلكين أيضاً فهم بحاجة إلى وسائل عيش, أما اليوم ف الروبوت والذكاء الاصطناعي سوف يحل مكان الإنسان, ولم يعد من حاجة كبيرة للأيدي العاملة البشرية.
كذلك الأمر لم يعد جميع الناس قادرين على استخدام واستهلاك ما ينتج, وذلك بحكم الفقر والعوز, وانعدام القدرة على استهلاك المنتجات العصرية السريعة التطور والمتغيرة كل يوم وكل عام, وبذلك أصبح الكثير من الشعوب يراها النظام الربحي شعوب غير مفيدة, لا كأيدي عاملة للإنتاج, ولا كشعوب مستهلكة لمنتجات العصر الراهن السريعة.
هذا معناه أنها خراف غير مربحة للمزرعة, ويجب التخلص منها بأسرع وقت, فوجودها يشكل خسارة ربحية كبيرة, وتراجع في جدوى المشروع العالمي الجديد, الخصخصة الشاملة, و حيث المالك يحصل على كل شيء , والمعدم سيعدم الحياة تلقائياً, وبذلك لا أحد يتحمل ذنبهم سوى جهلهم وتخلفهم عن العصر, هذه هي حقيقة النظام العالمي المعاصر ونظام الربح الحديث المتطور ؟؟
رماز
ارض الحكمة ,
يتبع الجزء الثاني