كيف يشتغل الجسد في الفكاهة لفرقة عطاء للتربية والثقافة
الشاملة بريس- إعداد: د الغزيوي أبو علي.
إن أية قراءة لعالم فرقة <<عطا>> لابد من أن نستحضر بالضرورة. شخصية المؤلفة ذاتها، ككائن من لحم و دم لا ككائن ورقي و استشعاري كما ترى، لأن ما تقدم مسكونة بأسئلة الكتابة الجسدية، و بأسئلة الواقع، و أية قراءة واصفة لهذه النصوص الممسرحة جسديا فهي تربط جدليا بين سؤال الكتابة، و سؤال وجود الإنسان، و بين الإبداع الدرامي و سؤال الاسترجاع، فهي قراءة تنتج معرفة حقيقية بالجسد، و تعدو أن تكون ترجمة للانا كنص موازي له، من هنا استطاعت لبنى المستور و المجموعة أن تكسر هذا الصمت الذي يدب في أوصال المسرح، و أن تخلق شبكة من العلامات و التفاعلات بين العالم الداخلي و الخارجي لكي تصنع لنا مستويات و تجليات متراكبة، لأن الفرقة عطا وحدت بين الحكي و المحكي، و بين الابداعي و الارجاعي مارست نوعا من الاستفزاز لهذا الأنا الخارجية، لأن الفرقة غايرت المألوف، ووحدت الفكر بالواقع و ذلك من أجل تعرية المسكوت عنه و كشف اللثام عن الآثام كما يقول الناقد محمد برادة.
فهذه الفرقة شقت عصا الطاعة فأفردت إفراد البعير المعبد، حيث وحدت كما قلت بين المحكي و المعيش بلغة درامية لتقربنا إلى الجغرافية الداخلية لهذه الذات و لمناطقها الممنوعة و المقموعة.
فحفل افتتاح مهرجان فاس للفكاهة << الضحك فيه و فيه>> و تقديم عملها المسرحي المميز <<كيف ما كان يكون>> بالمركب الثقافي بتازة العليا، فهذه الفرقة ليست سليل الهامش و ليست معقلا للبطولات و الملاحم، بل هي فرقة مسكونة بأسئلة ما بعد كورونا طرحت قضايا المعرفة، و الوجود، و القيم و أسرار هذا الجسد لتغطى مرحلة زمكانية تتراوح بين الكيف و الحاضر فالمخرجة لبنى نسجت هذا الجسد السردي بلغة دراماتيكية و بطابع ايروسي يهدهد أفق انتظار القارئ رغم بعض التقاطعات و الانتقالات بين الممثلين، فالفرقة (عطا شخوصا و فضاء و علائق، و علامات) عالجت التيمات برحلة سيزيقية تمتد بين أرصفة الركع و جدرانها، هاربون بهذا الجسد كالمستجير من الرمضاء بالنار فالمخرجة لبنى تحرك هذه الأجساد وفق هذه الطبوغرافية الحكائية، حركة لولبية و مكوكبة بين الأجساد و الفضاء والإنارة، و الديكور، حيث تتسابق الأمكنة و الأزمنة، و تكون الميتا اللغة الدرامية عبارة عن ممرات أكثر منها مساكن، إننا هنا أمام ما يسميه مخائيل ياختين فضاء العتبة الموزع بين الخارج و الداخل حيث ينعدم الصمت، و الاستقرار الجسدي المعياري، مما يجعلنا نحس إحساسا شديدا بالشجو و برقصات تضيء شعلة هذه الأجساد دون قهر رمزي، ولا صفح زجاجي، و هذه الرؤية كما أرى مهووسة بالتوحد الكياني كأولويات دفاع ضد غثو المجتمع و بلادته، فالتيمات المركزية المهيمنة هي واقعا و إبداعا هي عبارة عن عنف الحاجة كما يقول ماركس، لأن الممثلين يكشفون عن الاستراتيجية التي تسكن ذاكرة الجسد و نفوذ خطاه و مسعاه الأبدي، فالفرقة ساهمت في تغيير أفق المتفرج و نوعت من هذا الوتر الساخن الذي يلف هذه الأجساد و دون تحاشي القضايا الفنية و البنيوية التي تطرحها هذه الأجساد الممسرحة، لأن سؤال الفكاهة ليس سؤالا مبتذلا بل ينطلق من قناعة نظرية و إبداعية فهو المعادل الموضوعي الرمزي حسب إليوت للواقع المعيش، كما أنه مستودع أسرار و خفايا، فهذه الأجساد لا تقف عند الحقيقي و إنما اندمجت في هذا الملمح الفني لتحديد هوية الجسد المضاعف بامتياز، لأن طاقته الدرامية قادرة بقوتها على تأدية و وظائف متعددة بلغة الصور الرمزية، كما يقول أوجيست شليجل و الواقع أن هذا الجهد الجسدي لا يمكن أن ينحصر في الممكن و المنفي، و إنما ينبغي امتداده في دراسة الحقيقة المرتبطة بالحاضر (يكون)، لأن هذه الأجساد الممسرحة تنادي بعدم تقبل (الواقع) كوثيقة و صورة فوتوغرافية، بل ينبغي تقبله كواجد الوجود لأنه يفرض نفسه على الذات الفردية بنفس الدرجة من الموضوعية كباقي ظواهر الوجود الحقيقي أو الواقع الخارجي (الأخلاق و المجتمع زكريا ابراهيم ص42، فالجسد القدسي يتخذ بديلا عن الروح الخارقة التي تتضمن بنية لغوية تتعدى المستوى الجمالي للتجربة بالمعنى الكانطي، و في الأخير أشكر كل الطاقم التقني و التمثيلي، و الإعلامي على إنجاح هذا المنحى الإبداعي.