جدل الحاضر والغائب في ديوان : ” يوميات فائضة عن الحلم والوقت “

جدل الحاضر والغائب في ديوان : ” يوميات فائضة عن الحلم والوقت ” للشاعر المغربي : محمد العزوزي .

الشاملة بريس- بقلم : عبد الحكيم البقريني

صدر للشاعر : محمد العزوزي ديوانه : ” يوميات فائضة عن الحلم والوقت ” عن مطبعة بلال بفاس ، سنة 2022 ، ديوان من الحجم المتوسط ، عبارة عن قصيدة مطولة ، مشكلة من ثلاثين مقطعا ، أو قصيدة صغرى ، ترتبط القصائد جميعها بوحدة الموضوع المتمحور حول ثنائية الحلم والوقت . وهو الديوان الذي تشرفت بتقديمه . ويعتبر تجربة إصدار رابعة بعد رواية : ” كتامة أو حكاية سفر من أجل لوحة حشيش ” ، وديوان : ” كأغنية ضالعة في الهشاشة ” ، والنصوص الشذرية : ” حالات سطو في لا وضوح اللامحتمل ” . من هذا التنوع الإبداعي تنطلق مقاربتي لهذا الديوان الذي امتدت قصيدته الوحيدة عبر صفحاته راسمة أفقا ممتدا عن الحلم وعن الوقت ، ومستشرفة من اليوميات حياة وروحا . هو قصيدة وسفر عبر الحلم والوقت المخضبين بالسؤال والمشاكسة ، والبحث عن الصحوة بين أفكار غائمة .. ثنائية الحلم والوقت اتخذت أشكالا شتى ، حضورا وغيابا . ذاك ما سنسعى لرصده في هذه المقاربة النقدية التي ترصد حضور الشاعر وغيابه ، وتفاعله حاضرا وغائبا مع الحلم والوقت ، ونقلها من خلال يومياته الفائضة . فلشاعرنا متسع من الوقت والحلم ، وما يكفي من اليوميات للرصد والتقرير .


عتبة العنوان :
عنوان الديوان جملة اسمية جامعة بين ما هو سردي وشعري . فاليوميات من صنوف السرد شأنها شأن الفيوض ، والحلم مادة الشعر ، على غرار الوقت الذي يعد صنو القصيدة . من ظاهر الجملة الاسمية يبدو الثبات والانسيابية . فهل من ثبات لقصيدة الديوان ؟ أم أن إيقاع اليوميات سيجعلنا أمام حركية الحدث الشعري ؟. من هنا جعلنا الشاعر نسائل الأفق عن حدود الفصل والوصل بين الجنسين ، ونعلن قدرته على الرسم بالكلمات نصا ممتدا بوحدة عضوية جعلت الحلم والوقت أبطالا ، فاتخذا أشكالا وتمظهرات شتى ، حضورا وغيابا ، وإن كانا لم يبرحا اليوميات التي حولاها لفائضات .
العناوين الداخلية التي جعلها أرقاما في حدود الثلاثين تؤشر على شهر ، وبالتالي فهي فائض من اليوميات .. اعتماد ذلك بدل العناوين كما هو مألوف ، كرس وعزز بشكل أفضل الوحدة العضوية .
عتبة الصورة :
صورة الغلاف فوتوغرافية ، واقعية . ملتقطة من موقع على مشارف مدينة تاونات ، بعدسة عبد الله دحيمن . صورة قريبة من أمكنة كتابة الديوان ، وهي أيضا قريبة من موضوعه ، قرب الصديقين : الشاعر والمصور . فأفقها رحب ممتد امتداد الحلم . ووقت الغروب وإن كان يعلن نهاية زمن ، فهو يبشر بحلم ، وانبعاث الزمن القادم من خلف السحاب . أما السواد والبياض فإعلان عن الثنائية الملازمة للحياة : الأمل والألم ، الحاضر والغائب ، الممكن واللاممكن … ومما يزكي العلاقة الوطيدة بين صورة الغلاف وموضوع القصيدة ما جاء بالقصيدة ص : 25 حينما تحدث عن رغباته فجعل وجه الأفق رماديا ، واستعاراته شاحبة يقول :
استعاراتي شاحبة
ووجه الأفق
رماديا
لا يليق بالحلم .
إنه عالم الصورة الذي قد لا يليق بالحلم الجميل ، إذ السواد قلص مساحة الضوء ، وجعل الأفق ضيقا ، ذاك الأفق الحلمي والوقتي الذي طارده الكاتب في ديوانه ، وهو المالك لفائض من اليوميات ولمتسع من الإبداع . اختيار اللون الرمادي الدامج للونين يساير المنطقة الوسطى التي بحث عنها الشاعر طويلا .. منطقة تنسيه الواقع ، وتحقق حلمه . محطة الشاعر الحاضر بعد رحلة غياب ، غياب بغية مطاردة الحلم ، وتعقب التساؤلات التي لا تنتهي .
عتبة البداية والنهاية :
كتابة القصيدة قد تمتد في المكان والزمان ، وهذا ما حصل مع الشاعر محمد العزوزي الذي ذيل القصيدة بإحالة توثيقية مكانية : ( كتامة – تاونات ) وزمانية : ( ربيع – شتاء 2020 ) . هي أمكنة وأزمنة باعثة وداعية للحلم وللامتداد . فزمن النص ارتبط بهواجس وتساؤلات الحجر الصحي ، وما فرضه الفيروس المجهري من فيض الكتابة . لذلك جعله الشاعر ممتدا وفصليا . أما الإحالة المكانية فهي إشارة لمثقف الهامش ، وتميزه الإبداعي ، وفي ذات الوقت تأريخ للنص وإظهار للصورة الأخرى الراقية والجميلة ، والمخالفة للصورة النمطية التي ارتبطت بالمكانين . من هذا النقاء والطهر المكاني ، والمتسع الزماني ، أقر واعترف الشاعر بفائض الحلم ، والوقت ، والمونولوج .. مستعملا ضمير المتكلم ، يقول : ص : 9
لي فائض الحلم ..
وفائض الوقت ..
من أجل مونولوج مع نفسي .
إن الإحالتين الزمانية والمكانية تسايران ذاك التدفق ، فالبين بين تاونات وكثامة جعله الشاعر فسحة شعر وجمال . فحيثما ولى وجهه كانت القصيدة سيدة الوقت . هي قصيدة الشاعر العزوزي التي عبرت الفصول مشكلة لنفسها فصل التميز .
جدل الحاضر والغائب في قصيدة : ” يوميات فائضة عن الحلم والوقت ” .
استهل الشاعر ديوانه ، أو بالأحرى قصيدته بإقرار واعتراف بأنه يملك فائضا من الوقت والحلم ويتغيى المونولوج الداخلي . وتلك سمة كبار الشعراء الذين يجعلون من الذات نقطة السؤال . ذاك المونولوج الداخلي هو ما سيجعلنا نرصد الحاضر والغائب من الحلم والوقت ، ونتعقب الشاعر المتسائل ، والمشاكس المترصد لموضوعه . فهو وُجد من أجل السؤال ، يقول : ص : 11 .
أنا السؤال
والإشكال
لأشاكس الوقت .
إن السؤال جوهر الشعر والقصيدة . فما غاية الشاعر من أسئلته ؟ إنه لمن الصعب الرصد الكامل لما يريده الشاعر، فهو منشغل بالبحث عن الحلم تارة ، وغائب هنا ، وحاضر هناك تارة أخرى . إذ يقول : ص : 23
لأخرج من غرفتي
نحو حلمي المعتاد ..
كما أنه منهمك بالبحث والتنقيب عن الاستعارات داخل اللغة وخارجها ، ليدخل عالم المتاهات . يقول : ص . 23
متاهاتي
لا تنتهي
إن دخلت نفسي .
ليخلص في نهاية المطاف إلى استعارات شاحبة ، ووجه أفق مظلم غير محفز .
يقول : ص : 25 .
استعاراتي شاحبة
ووجه الأفق
رماديا لا يليق بالحلم .
إن تساؤلات الشاعر تعظم وتتزايد فتلامس ما هو وجودي . فهو مهماز تساؤلاته كما ورد بالصفحة : 32 .
وفي مقام آخر
أشاكس عزلتي بالارتماء . ص : 31 .
وتارة أخرى يصل ذروة السؤال حينما يقترن سؤاله والمكلل ، ابن قائد الجبابرة . يقول : ص : 26
ماذا تبقى مني بمعدة كرونوس ؟
ولا يغالي حينما يسافر بعيدا عبر التاريخ . والشاعر هنا يعيدنا من الزمن الحاضر ، إلى الماضي الغائب . يقول : ص : 27
يذهب بعيدا
في البعيد
كذكرى تروبادور
لقد سعى الشاعر جاهدا ، مستغلا فيوضاته ، ليجعل الحلم أبهى . لذلك نجده يقول :
هل الوقت المنثور
هباء
يصلح لترميم الحلم . ص : 41 .
وفي موقف لاحق . ص: 42 .
الحلم خرج
من قمقمه .
فهو يسعى لما هو أفضل وأجمل وهذا ما بدا جليا حينما رسم لنفسه هدفا دقيقا . يقول : ص : 51 .
لأسقط قمر الحزن
وأهرب من غيمة ضبابية
وبعدها يحاول أن :
أبني للمؤجل
بيتا في النسيان ..
بعد هذا الجمال والرسم بالكلمات ، والسفر المعلل للغياب ، يعود حاملا تساؤلات Hأعمق جعلته لا يستريح . حيث يقول : ص : 53 .
أتساءل من أكون إذا عبرت نهر الحزن ؟
إنه الحزن الحاضر بشكل بين والذي جعله الشاعر قرينه يقول : ص : 37 .
الحزن حلقتي
وفي موضع آخر من الديوان ، ص : 41 .
هل الوقت المنثور
هباء
يصلح لترميم الحزن
وإعطاب الذاكرة
لأتشكل غيابا
في الحضور .
إنه الحزن الذي جعله يقفز إلى قرار سحيق ( ص : 45 ) .
هذا الواقع الحزين وبمحجن السؤال رسم الشاعر مسلكا للحلم ، فهو وكما ورد بالصفحة : 48 .
خارج الحلم
خارج الوقت
خارج الانتظار
لكنه وكما أشرنا سالفا لن يبقى حبيس قوقعته . لابد من جرعة التمرد والرغبة في الانطلاق يقول : ص : 39
أتمرن على الخروج
وغير بعيد أصبح محلقا حالما بأفقه الرحب المستفيد من فيوض الوقت ، يقول : ص : 40 .
أطير بالحلم
وأحرك جناحين
لأخطو خطوتين
في السؤال
هل لي حصتي من الغياب
لأتعلم الحضور .
بيد أن الوقت أحيانا قد يكون معيقا لهذا التطلع ، فيجعل الحاضر غائبا . ولعل ما يزكي ذلك نماذجه المرصودة :
ها هو المساء يأسرني ( ص: 50 )
أراقب يومي المتعجل ( ص : 61 )
صباحي متلكئ في القدوم ( ص: 65 )
إنه يوم محايد ( ص : 67 ) …
هذا الوضع جعل الشاعر يعترف بأن يومياته غارقة في المعتاد ( ص : 35 ) ، وأن الوقت وإن كان فيضا فهو يبعده عن الارتكان للذات ، يدفعه للعيش هنا وهناك ، ثنائية الحاضر والغائب . وهو بذلك يعبر عن شعور جماعي ، حينما حل الفيروس المجهري ، وفرض الحجر الجماعي ، فتجرع العالم جرعات الرتابة ، وحرقة السؤال ، وضبابية الحلم … إنها يوميات الألم والأمل ، والتي لامسها الشاعر حينما خاطب مثيله : ص : 63 .
قلت له :
هل تحلم بالبداية ؟
أو بالنهاية
بيد أنه أجابه بأنه يخطو لنهايته ، فما كان من الشاعر إلا أن تبرأ منه قائلا : ص : 64 .
فأنا لا طريق لي
مع المهزومين .
هو موقف شجاع من الشاعر الحاضر ، المالك لمتسع من الحلم ، والقادر على رسم منطقة وسطى تجعل من الرتابة ساحة رحبة للأمل والحلم . فهو الحاضر بين ثنايا حزنه ، الحاضر بين أجنحة حلمه . فإن غاب عن موقف أو موقع فهو منهمك في ترميم الموقف والطرف الآخر .
لقد تأرجحت الذات الشاعرة ، وتنقلت بين منطقة الواقع وأفق الحلم . فالغياب هنا حضور هناك . وعند الغياب يتشرع الانتظار والترقب والتطلع نحو المنطقة الوسطى
أو أفق الانتظار الذي يجمعه مع المتلقي بلغة الشكلانيين .
لقد انشغل الشاعر طويلا بالبحث عن الحلم ، وهنا يرتدي الشاعر جبة الارتقاء ليرتقي باحثا عما يضفي على الواقع لون الجمال .
إن سعي الشاعر كان حثيثا ، والرغبة لما هو أفضل كانت بادية . تلك الرغبة التي طعمها أحيانا بالتمرد . فما دام الشاعر يمتلك الفائض من الوقت والحلم يجب أن ينعم بالأمان ، بيد أنه اختار السؤال ، والتطلع أكثر للأعلى على غرار عامة الشعراء ، فلما كان :
خارج الحلم
خارج الوقت
خارج الانتظار ( ص : 48 )
فما كان هناك سوى :
لأصطاد الحلم ( ص : 49 ) .
إنه سفر الشاعر ، أو الحلول المتضمن لثنائية الحاضر الغائب . الشاعر وهو يقنعنا بأن القصيدة قد تكون يومية وباقتدار ، فإنه يخبرنا بأنه ما زال لسان قبيلته . أما قبيلة الشاعر فهي ممتدة حيث كل إنسان . حيث يقول في الإهداء : ” إلى الإنسان الذي يحيي الحياة نكاية بالحياة ” .. هي النظرة والأفق الرحب للشاعر شكلا ومضمونا . وإن كنت أثني على هذا العمل الثر الذي تتعدد زوايا قراءته فإني على مستوى الشكل أثبت انفتاح القصيدة على الأجناس الأدبية الأخرى . وهذه المرة كان الدور على اليوميات كجنس أدبي سردي . أما على مستوى المضمون فقد أحسن الشاعر الإصغاء لنبض الحلم والوقت . فنراه محلقا باحثا عن فسحة الأمل بعدما عم الألم ، وعظم السؤال . هذا الانتقال بين : هنا وهناك ، وبين الحضور والغياب ، جعلنا نستمتع بثنائيات الشاعر المشاكس . فإن غاب فككنا شفرة ما قدمه لنا من معانٍ ، أو تطلعنا لما سيحمله من سفره الحلمي والوقتي . إنه الثنائية التي أجاد الشاعر بشكل ملفت في توظيفها ، وجعل المتلقي مرتبطا بالنص رغم فيوضاته وطوله .
على سبيل الختم :
ديوان : ” يوميات فائضة عن الحلم والوقت ” للشاعر : محمد العزوزي طفرة أخرى من طفرات الشعر . حقق فيه الشاعر وحدة عضوية بين الحلم والوقت ، ووحدة بين القصيدة وكتابة اليوميات . فاليومية غدت قصيدة بعدما أخضعها لقالبه الشعري المتنوع .
إن القصيدة عند الشاعر المغربي محمد الغزوزي تتخذ أشكالا شتى ، فالشاعر ينوِّع هيكل قصائده بين التفعيلة والشذرة فالقصائد الطوال أو الفيوض . وهو بذلك يمتلك طاقة إبداعية معززة بالدراسة الأكاديمية ، فضلا عن الأعمال السردية والنقدية . هذا التميز والثراء كان سببا للتنويه بمجموعته الشعرية ” أشياء آبقة من رؤيا “خلال دورة 2010 لجائزة إتحاد كتاب المغرب للأدباء الشباب ، كما فاز بجائزة ناجي نعمان الأدبية صنف الاستحقاق دورة 2013 ، وتم اختياره سفيرا فخريا للغة الإسبانية بالمغرب من طرف معهد سيزار ايخيدو سيرانو ومتحف الكلمة بإسبانيا منذ 2018 ، وعضو فخري بمؤسسة ناجي نعمان للثقافة بلبنان .

شاهد أيضاً

استعدادات مكثفة لتنظيم النسخة الثالثة لمهرجان سينما المدارس

استعدادات مكثفة لتنظيم النسخة الثالثة لمهرجان سينما المدارس الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- مراسلة: الكبير الداديسي …

تهريب الجمع العام لجمعية الأعمال الإجتماعية لموظفي وزارة الثقافة

تهريب الجمع العام لجمعية الأعمال الإجتماعية لموظفي وزارة الثقافة الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- *بقلم/ الدكتورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *