طوفان الاقصى منهج عسكري يُدرس
الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- إعداد: الدكتور محمد العبادي
بعد مواجهة أثبتت لكل العالم ان الدم ينتصر على السيف
اكثر من خمس وستون يومآ مرت على بدء عملية طوفان الاقصى بحسب تسمية حركة “حماس في 7 أكتوبر 2023 فقد قام المقاومون بشنّ هجوم نوعي شكل صدمة ورعب في الأوساط السياسية والعسكرية الاسرائيلية ، حيث تم اسر عدد كبير من المستوطنين والجنود .
وخلال الأيام الاولى للمواجهة أطلقت “حماس” وحركة الجهاد الإسلامي وابلاً من القوة الصاروخية مركزة باتجاه غلاف غزة ، وحققت معظم أهدافها.
ولكي يحافظ العدو الصهيوني على ماء الوجه استهدف جيش الاحتلال في غزة منازل الامنين ودور العبادة والمشافي والجامعات ، وقامت سلطات الاحتلال بقطع الماء والغذاء والكهرباء والنت والوقود في سابقة لم يشهدها العالم من قبل .
وبدا أن عملية طوفان الاقصى قد أكدت قناعة إسرائيل وحلفائها بقدرة المقاومة على الثبات وتحقيق انتصارات نوعية .
برغم القوة النارية الهمجية والدعم الامريكي والاوروبي .
فقد سخرت قذائف المقاومة من نظام “القبّة الحديدية ” المضاد للصواريخ، الذي كان يعتبر صمام امان للمحتلين وفخر انجازاته .
حيث لم ينجح هذا النظام إلا في اعتراض نحو 30 في المئة من القذائف التي أُطلقت باتجاه إسرائيل.
جن جنون العدو فانهال على غزة جواً وبحراً وبراً .
وكان الهدف الإسرائيلي تحرير الاسرى وبرغم الدمار الهائل الذي احدثته ، فشلت في تحرير اسير واحد ، وبضغط من الرأي العام في المجتمع الاسرائيلي وعلى وجه الخصوص أهالي الاسرى كان لا بد من مفاوضات مع المقاومة لإستعادتهم .
بوساطة مصرية قطرية اقترحت مصر وقفاً لإطلاق النار لمدة اربعة ايام للتفاوض على الاسرى وادخال المساعدات الانسانية لغزة .
وجرى خلالها ما تم الاتفاق عليه سابقاً في صفقة مبادلة قوامها واحد إلى ثلاثة للأسرى المدنيين .
وسرعان ما فشل الاتفاق على وقف النار .
وهذا ما اطلقت عليه اسرائيل االمرحلة الثانية: الاجتياح البري والذي كبد العدو مزيداً من الخسائر في الرجال والعتاد مما لم تعتاده اسرائيل من قبل .
فقد استخدمت كتائب القسام الانفاق للتسلّل خلف خطوط العدو وافشلت كل محاولاته البائسة في التقدم وقتلت المئات من الجنود وكبدت العدو خسائر لا تعد ولا تحصى حيث اصبح كيبوتس غزة خالٍ من المستوطنين .
وبحسب تصريحات واعتراف جنود إسرائيلين مقاتلين رفضوا متابعة القتال : إن الفلسطينيين يخرجون من الأنفاق فيقتلون ويختفون فترانا نسقط واحداَ تلو الأخر وكأننا نقاتل اشباحاً . وهنا يظهر الفرق
بين “عملية الجرف الصامد” سنة 2014 وطوفان الاقصى 2023″ بذلت “حماس” جهداً منهجياً لتطوير قدراتها العسكرية. وشمل ذلك المستوى الإستراتيجي العام، تطوير بُنيتها التحتية العسكرية وتوسيع حضورها في الضفة الغربية حيث أمكن، تطوير عقيدة هجومية ترتكز على “نقل الحرب إلى أرض العدو” من خلال الأنفاق الهجومية وإغارات الكوماندوس براً وبحراً، بين أمور أُخرى. وركّزت أهداف “حماس” الإستراتيجية الرئيسية على رفع كلفة أي هجوم إسرائيلي مستقبلي وتعزيز قدراتها الردعية، وبالتالي قوتها التفاوضية فيما يتعلق بالحصار والاسرى .
ومع إدخال إسرائيل “القبة الحديدية” في سنة 2011، سعت “حماس” لـ”إجهاد” النظام المضاد للصواريخ من خلال توسيع دائرة الهجمات، وتركيز أكبر على الصواريخ دقيقة الإصابة وعلى مَدَيات أطول وأوسع لها، ومن خلال تطوير وحدات الهاون لديها نظراً إلى أن القبة الحديدية لا تستطيع اعتراض قذائف الهاون، كما في حال الصواريخ والقذائف الصاروخية. وعلى الرغم من مداها المحدود، فإن قذائف الهاون تستطيع أن تشكّل تهديداً جدياً لإسرائيل في نطاق ‘غلاف غزة’.
وكان استثمار “حماس” في بناء نظام دفاعي واسع النطاق تحت الأرض مجزياً إلى حدّ كبير كونه أتاح المجال أمام مرونة تكتيكية كبيرة في مواجهة هجوم برّي.
لكن قدرتها على إلحاق أضرار بإسرائيل تحققت تماماً خلال “عملية طوفان الاقصى “. وتمَثّل الإنجاز الأهم لنظام الأنفاق في ضمان أمن المستوى القيادي للمقاومة. ويمكن التسجيل لمصلحة “حماس” والمقاومة تمكّنهما من إيجاد الوسائل للحفاظ على وجودهما في مواجهة أساليب إسرائيل الهجومية المتعددة، بما في ذلك المراقبة الاستخباراتية والاستهداف الدقيق.
وأظهرت المقاومة كذلك قدرتها على التغلّب على الحصار من خلال التركيز على الإنتاج المحلي للسلاح بدلاً من الاعتماد على الإمدادات الخارجية،
وانكبّت “حماس” على تطوير قدراتها في مجال الطائرات المسيّرة عن بُعد، كما على تعزيز قدراتها الوليدة في مجال الحروب الإلكترونية والسيبرانية.
على الرغم من أن إسرائيل بصلفها بدت في المرحلة الأولى كأنها تعتقد أن القوة النارية الجوية بمفردها تكفي لردع “حماس” إلا أن مجرى المواجهة خلال “عملية الطوفان” وبروز تهديد الأنفاق الهجومية قاد إسرائيل إلى إحياء فكرة الهجوم البرّي بهدف احتلال القطاع وتهجير اهله لسيناء و استئصال المقاومة،وفق ما كان مخططاً له فإن المعركة خلال الشهرين الماضيين لم تحقق سوى نتائج محدودة وخيبات امل لا محدودة .
إن “حماس” والمقاومة ثبّتتا معادلة جديدة خلال “طوفان الاقصى” ترتكز على “التعطيل النوعي” للحياة الإسرائيلية في مقابل قدرة إسرائيل على تكبيد “الدمار الكمّي”، إذ كانت المحصلة الصافية، كما وصفها أحد المحللين الإسرائيليين، “تعادلاً غير متكافئ”. أمّا كيف يمكن أن تُترجم هذه المعادلة عملياً في المستقبل، فذلك يبقى سؤالاً في قيد الإجابة.