كريم جمال يبدع في أدب الهامش عبر رواية “والآن آن لي أن لا أئن”

كريم جمال يبدع في أدب الهامش عبر رواية “والآن آن لي أن لا أئن”

الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- إعداد: زايد الرفاعي / باحث في الخطاب الإعلامي

 

استضاف برنامج لقاء الكاتب بالقراء، ضمن سلسلته كتاب حول العالم، بداية شهر دجنبر الساري، الروائي الصاعد كريم جمال الحائز على المركز الثالث في جائزة رضا عبادة التشجيعية عن روايته والآن آن لي أن لا أئن، والحاصل أيضا على مرتبة أولى عن إحدى قصصه المعنونة ب “أغرتني ولكن”.. كما له العديد من القصص والمقالات منشورة بصحف وطنية وعربية، إضافة إلى دراسة نقدية حول تجليات المسرح الاحتفالي وأحد أقطاب الصوفية. كريم جمال كاتب وروائي يافع ينحدر من مدينة خنيفرة تحديدا من مولاي بوعزة، له روايتين إحداهما موسومة ب (لم ترقرق) و الأخرى الحائزة على الجائزة (الآن آن لي أن لا أئن). هذه الأخيرة تعتبر بكورة إسهاماته وأعماله الأديبة.

إن المولود الأدبي الأول للروائي كريم جمال ذو طابع اجتماعي، أحداثه واقعية، أضفى عليه الكاتب شذرات خيالية خدمة للمسار السردي والحبكة الدرامية للأحداث، الرواية تمزج بين الثقافتين العربية والأمازيغية تجلى ذلك في أسماء الشخصيات ودلالة الأماكن ورمزية هواجس البطل. الأخير هو شاب مغربي عاطل عن العمل، باحث عن الأمل، شغوف بمجال الصحافة، حالم بوظيفة عسكرية لكن قصر طوله حال دون الالتحاق بها. لتبدأ رحلة المشاكل ضد الذات والحياة..
وفي جانب آخر ضد الموت الذي خطف خالته تاركة فتايتين تربيتا معه في نفس البيت، لتقع كلاهما في حبه “البطل” الذي ينتمي إلى أسرة فقيرة تزيد معاناتها عربذة الأب الذي لا يكف عن السكر والثمار…
كل هذا كان في كوكتيل سردي وبوتقة فنية حبلى بالصراعات الطبقية والسياسية، صراعات أضحت داخلية ترى في الهجرة الحل والخلاص، بعد أن أصبح الوطن من منظور الشخصية الرئيسة غربة داخل غربة… تتوالى الأحداث ليعود للبطل بريق من الأمل تعود معه النظرة الإيجابية للوطن بعد تأهل المغرب لنصف نهائي كاس العالم، وبعد واقعة الزلزال الذي أظهر إنسانية شعب وحنكة دولة. بتوظيف أنماط سردية وأجناس فنية شيقة تنهل من واقع الحياة اليومية بالتعاطف مع الذات والآخر حينا والتمرد على التقاليد والطابوهات أحينة أخرى.

إن رواية والآن آن لي أن لا أئن، الفائزة بالمركز الثالث بمسابقة عربية (مسابقة رضا عبادة التشجعية) وهي الفائزة الوحيدة من المغرب. هي بمثابة دليل أيقوني قوي على أن الرواية المغربية لا تزال بخير خاصة الشبابية، وعلى الأخص التي تعنى بأدب الهامش، حيث سلط الكاتب الضوء على بعض الأحداث التاريخية المطموسة بقرية أبي يعزى والتي أريد لها أن تطمس في طيات التاريخ المنسي. ليجد القارئ الافتراضي نفسه أمام نمط جديد من التعبير بلغة جريئة قوية وشفافة، تتيح قراءة سيميائية تأويلية بنفَس تحليلي عميق ومكثف ينهل من عتبات الوعي الفني والأدبي والجمالي.
ناهيك عن الحمولة الإنسانية المختزلة في الصراع الأبدي ضمن منظومة القيم والخير والشر والأخلاق… المنعكس في شخصيات الرواية. تمثله: حيرة البطل “ڤالديڤيا”، وعربذة الأب “وراش”، وسَماحة الأم “فاطمة” كصورة للأم المغربية، وحِلم الجدة “بوحة”، وبراءة “جِلنار”، وتذبذب “زكية” بين الغواية والتدين، وتسلط “إِرم ذات العماد”. إن الكاتب كريم جمال يعالج في روايته موضوعات وقضايا من قبل: انتشار المخدرات في أوساط وجنبات المدارس، وتجارة (الحشيش) في كتامة وحرثه وزرعه، وتفشي صراع المصالح وتَغّوُّل لوبي الضغظ، كما خصص جزءا بسيطا للحديث عن حقوق الإنسان داخل السجون، ثم المعاملة السيِّئة للمرضى داخل الأضرحة ببعض الزوايا، وثنائية التدين والإلحاد في المجتمع، والتضليل الإعلامي والتلاعب بالتصريحات وأدلجتها، وما يقع في الانتخابات الجماعاتية من رشاوي وشراء الذمم، ومظاهر أخرى تلوث معالم القيم والأخلاق والمبادئ.

وللتعرف على جمال كريم الكاتب وعلى روايته الأولى “والآن آن لي أن أئن”من وجهة نظر نقدية وفنية، هذه أبرز الشهادات والتصريحات النقدية التي حُظِيَ بها الأديب اليافع بفضل قريحته الأديبة وكتاباته عن الهامش.

الأستاذة سهر لقماري صاحبة مجموعة وبرنامج كتاب حول العالم تفصح برأيها قائلة: لقد تابعت أعمال جمال كريم الأدبية بشغف، ولا يسعني إلا أن أُعبر عن إعجابي العميق بمواهبه الفذة. أعماله تتميز بقدرة استثنائية على المزج بين الفلسفة والخيال الأدبي، مما يخلق نصوصًا تحمل طابعًا فريدًا ومعقدًا. ليس فقط في اختيار موضوعاته المبتكرة، بل أيضًا في الطريقة التي يعبر بها عن التحديات النفسية والاجتماعية. جمال كريم هو بلا شك من الكتاب الذين يمتلكون القدرة على التأثير العميق في القارئ.” وسعيدة أنه استطاع الاستمرار مذ أن فاز بجائزة أجلموس الإبداعية ، وحفر اسمه ضمن كتاب “حروف من سديم المتعة” بقصته الربان البارع الفائزة بالجائزة الثالثة مناصفة.

الدكتور شرقي نصراوي بدوره يمنح تصورا أوليا للرواية مصرحا: الكاتب كريم جمال يقدم ملحمة روائية تحتفي بكل العلامات المغربية وخاصة حين تأهل المنتخب المغربي لنصف نهائي كأس العالم في كرة القدم وما قدمته كتيبة المدرب وليد الركراكي وما شكلته الأمهات من صور نابضة توحي إلى احتفاء مغربي أصيل.
الرواية أيضا هي انعكاس طبيعي لما يختمر في الذات الكاتبة من أسئلة وجودية، وهوجس وجدانية إنسانية.

من جهته، الروائي محمد برادة، الحائز على جائزة “كاتارا” خلال لقاء مفتوح معه ببني ملال، قال: إن التخييل السردي الروائي يفتح آفاقا دلالية وتعبيرية تضفي على الواقع والحياة أبعادا جمالية، تجعلهما أكثر اتساعا وقابلية للعيش. واعتبر مبدع “لعبة النسيان” أن الواقع مهما كان فسيحا يبدو دائما ضيقا بالنسبة لنا، مما يجعلنا غير قابلين للعيش فيه فنبحث عن نوافذ تقودنا إلى عالم فيه الكثير من التخييل يسعفنا على أن نتابع الحياة. أيضا الكاتب عبد الرحيم لمنيني الحاصل على جائزة المغرب للكتاب في صنف الدراسات الأدبية عن كتابه النقدي “لو لم أكن روائيا” جاء تصريحه بأن “الحياة فيها مظاهر جيدة وأخرى مثيرة، بل حتى ما يقودنا إلى الملل والرتابة والتكرار بسبب ضغوط الواقعية فنهرب إلى شيء من التخييل والخيال احتفاظا بنشوة الحياة. معتبرا أن الكاتب جمال كريم جعل روايته خزانة تنبع منها النشوة التي نحسها عندما نشاهد فيلما جيدا أو مسرحية هادفة أو نقرأ نصا روائيا ممتعا، مهما استمد من الواقع عناصره، يأخذنا إلى عالم محتمل، ليس هو العالم الضيق الذي نعرفه بشروطه وابتذاليته ومحدوديته…”.

في سياق متصل، أبرز الشاعر رضا عبادة في مداخلته، أن التخييل السردي الروائي في رواية الآن آن لي أن لا أئن، ينهض على توظيف المخيلة، التي لا يمكن أن نعيش من دونها، من أجل توسيع الأفق المادي الذي نعيش فيه، والخروج من الأشياء المحدودة، عبر توظيف اللغة المنفتحة على الوجدان والذاكرة من خلال قدراتنا على التفاعل مع ما نعيشه. موضحا أن وظيفة التخييل تقوم على عنصري “الكشف والتحويل” تكشف لنا أولا أننا ننتمي إلى قيم وأنماط معينة، وتجعلنا ثانيا نحوِّل واقعنا فنحلم بعالم ومجتمع مختلف أكثر حرية. ختاما؛ من جهتنا نضم صوتنا لأراء ووجهات النظر السالفة، مفصحين بأن الكاتب الموهوب كريم جمال نموذج شبابي يافع، يحمل على عاتقه مشعل الكتابة الأدبية ويضع صلب أنامله يراعا يتسم بالجرأءة والتمرد مترجما هواجس واهتمامات الشباب، كاشفا تناقضات المجتمع والقيم والسلطة، مزيحا اللثام عن عوالم المغرب المنسي وقضايا إنسان الهامش.. متوسلا لغة سلسة مشوقة، مع توظيف رموز وإيحاءات تبرز “جمالية القلب والجسد الأمازيغي الجريح بأسلوب عربي فصيح”، مكثفا الدلالات والإشارات لمحاولة الإجابة عن تساؤلات تختلج النفس البشرية عبر ثنائيات قيمية من قبيل: الخير والشر، العدل والظلم، النجاح والفشل، الحب والكراهية، السلطة والعبودية، العلم والجهل، الصدق والنفاق، العقل والقلب.

شاهد أيضاً

مسرح محمد الخامس يحتضن احتفالا رسميا بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975

مسرح محمد الخامس يحتضن احتفالا رسميا بمناسبة السنة الأمازيغية الجديدة 2975 الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- …

مهرجان محمد بجية الثاني لفن التراث الغنائي

مهرجان محمد بجية الثاني لفن التراث الغنائي: دعوة عامة لعشاق الفن الأصيل الشاملة بريس بالمغرب …

9 تعليقات

  1. رواية سياسية ودراما اجتماعية تستحق التنويه .

  2. فاطمة لمرنيسية

    روعاتك يا مبدع

  3. د.عبد الكريم الفراهيدي

    موهبة تستحق الظهور

  4. شكرا لمروركم ، وتحية طيبة للجميع وللأخ زياد الرافعي وللاخ هشام .

    جمال كريم

  5. ⴼⴰⵜⵉⵎⴰ ⵊⵀⵉⵏⵉ

    قلم إبداعي صاعد بقوة ⵣ

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *