إفريقيا ملحمة البياض بأبجدية الكحل
الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا: بقلم الكاتبة: ذ. زكية العروسي
يا شجرة الدهشة، يا أسطورة السرمد
يا مهد الأساطير وميلاد العجائب،
جذورك تنغرس في أعماق الأزل،
تنسج من الحكايا سموّ الأجيال،
وفي ظلالك، تعانقت العصور،
حيث ينام القدر على أوراق الخلود.
في سوادكِ، تنبض خريطة مغربي،
زئير الأسود يصدح كأنفاس الطريق،
وجبال الأطلس تتشامخ، حراسًا للسماء،
بين الجداول تسكن أصوات الأجداد،
يروي الماء كيف أزهرت الأرض أساطيرًا،
وكيف امتزج الدم بالتراب
لينحت اسطورة ملك وابطال.
يا شجرة الدهشة، يا ملاذ القصائد
عيناكِ قصيدة تتوهج بالشموخ،
وفي ظلّكِ، خطّت أنوثتي ملامحها،
أنتِ الليل الذي يغزل الصمت بالمجد،
وفي كحل عينيكِ تكمن أسرار أزمنة،
ولّدت الجمال من المآسي العاتيات،
ونقشت التاريخ على وجه الأبدية.
سوادكِ هو كبرياء الزمان،
مثل حدقة العين التي تحرس البصر،
مثل ليلٍ يخفي أسرار العشاق،
مثل خيل أدهم، جامح كحكايات عنترة،
صامدٌ كحدقات الجنة التي لا تنطفئ.
أيا ليل الحكمة العميق،
حين تُرخي ستائركِ، يغدو السكون لغة،
وفي صمتك، تغني الجدات أناشيد المجد،
وفي سوادكِ، تولد الألحان من رحم الغيب.
أنتِ البدء، حين تتلون العتمة بالمعاني،
وحين ترتحل الأرواح إلى ظلال الأبدي.
أنتِ ابنة النجاشي الذي صلى عليه من بعيد،
وأنتِ موطن المسك،
عبير العنبر الذي لا يذبل،
يا أسطورة لا تنتهي..
في عيونكِ السوداء تتلألأ النجوم.
في حدقتيه تختبئ ألوان الحياة، وأسرار الخلود
مثل الحجر الأسود، شاهد على الزمن في بيت الله
كما قال الأقدمون: “حدقتان من جنان”،
يتبدد البيان في حضرة البياض
لينحث بلون الرمال
ملحمة القصيدة البيضاء
أنتِ الليل الذي لا يخشى النهار.
لله دركِ يا بنت الليل السرمدي،
سواد شعرك ليلٌ ينسج حكايات الهوى،
وقالوا عنكِ:
“لمياء في شفتيها حوَّةٌ لمس،
وفي اللثات وفي أنيابها صفاء”.
تحت ظلالك وُلِدَ الإنسان،
وبين حبات رملك سطّرت ملحمة العصور.
يا قارة الأحلام، يا ابنة المسك،
سوادك ليس ظلاً، بل ضوءٌ في عمق الزمن،
كما الحجر الأسود في بيت الله
يا إفريقيا السوداء
كلّما مرّت بكِ الريح، ارتفع صهيل الحياة،
وروى التاريخ مجدك بحروفٍ تنحني إجلالاً.
لملوكٍ كالسيف في صلابته،
ولنسائك اللواتي صبغن الحناء بالسحر،
في عيونك سوادٌ كحدقات الجنة،
يُخبرنا أن الجمال لا يشيخ،
وأن سرّ الليل عمادُ الخلود.
يا لؤلؤة الزمن، يا أم الكبرياء
أنتِ التي رفضت الانحناء،
ونساؤك أساطير خُلقت من عنبرٍ مذابٍ في الحناء،
يرقصن في ظلال الطبول،
كأنهنّ ولدن من رحم الأسطورة.
فيكِ يتشح الليل بالسواد كحُلة الملوك
وفيكِ السمر لا ينقطع،
وأصداء الطبول تحكي ملحمة الحياة،
قال عنكِ الجاحظ: “السواد أعظم الكمال”،
فأنتِ الظل الذي يُرخي جناحه،
والليل الذي يحتضن وجع الأزمان.
يا شجرة الدهشة
في سوادك قوة لا تكسر،
مثل الأبنوس، أصلب من الحجر،
مثل المسك الذي لا يزول عبيره،
فيك ولدت الأغاني من صمت الرمال،
وفيكِ كُتبت قصائد الحنين.
قالوا: “السواد عيب”، فكان الرد سموًّا
في السواد تتجلّى الحكمة،
كما أن الليل ملاذُ الشعراء،
وكما أن الأسود هو صخرٌ لا يلين.
أنتِ الخيل الأدهم، سيد المدى
أنتِ العنبر الذي لا يذبل،
أنتِ الحلم الذي يعبر الأعماق،
وفيكِ انبثقت الألحان،
كأغنية أبدية تُسكّن الضجيج.
يا إفريقيا، شجرة الدهشة
سوادك نور يختبئ في جذور الزمن،
كالحجر الأسود في كعبة الخلود،
فيكِ تُولد الأساطير وتكبر القصائد،
وفي عيونك السوداء يموت البياض.
يا أمَّ الحكايات الأبدية
أنتِ الرحم الأول،
الذي منه تدفقت الأساطير،
وفي ظلك يُولد الإنسان من جديد.
أنتِ الليل الذي لا يخشى النهار،
وأنتِ القصيدة التي تُقرأ بالدهشة.
قالوا عنك: حسنُ اللحن يسكن قوافيك
أنتِ أبجدية الكحل في عيون الفجر،
وأنتِ المسك الذي يُعاند الريح،
وفيكِ صُبغ الجمال بعبير الحناء،
حتى أضحى الجمال سيمفونية خالدة.
يا إفريقيا، يا ابنة الليل السرمدي
سوادك حضورٌ لا يغيب،
كأنه النحاس حين يُشد سواده،
وكأنه عنترة حين يتلوّن شعره بالعشق.
في سوادك حكايات أنبياءٍ وملوك،
وفي حضنك خرجت الأساطير إلى الأبد.
يا أمّ إسماعيل ونبيّ الأنبياء
في ذراعيك أوَيْتِ إبراهيم،
وفي ظلك سكنت رحمة الخالق،
ونساؤك بفتنة الحناء والكحل،
أصبحن أغنية تتغنّى بها العصور.
يا مهد الغلبة والمجد
حيث ينتهي العمران يبدأ السواد،
وكما قيل: “السودان أكثر من البيضان”،
وكما أن البحر أكثر من البر.
أنتِ السواد الذي يحمل الأسرار
السواد الذي يشعّ بالنور،
السواد الذي يرسو في وجه العواصف،
مثل الأبنوس، أصلب من المدى.
يا إفريقيا
فيك يلتقي المجاز بالحقيقة،
وفي ظلك تُخط الحكايات على دفاتر الليل.
أنتِ الأسطورة التي لا تنتهي،
وأنتِ شجرة الدهشة التي لا تذبل.
يا الكحل في حدقة الزمن
أنتِ سواد السماء الذي يُنجب الشفق،
وأنتِ صوت الرمل الذي يروي حكمة العصور.
أنتِ القصيدة التي لا تموت،
والأسطورة التي لا تنام.
بقلم: ذ. زكية العروسي