فرنسا بين مكافحة التطرف وتعزيز الانتماء الوطني: تحليل لتصريحات روتايو “لا يجب أن يكون المسلم الجيد فرنسيا سيئا”

فرنسا بين مكافحة التطرف وتعزيز الانتماء الوطني:
تحليل لتصريحات روتايو “لا يجب أن يكون المسلم الجيد فرنسيا سيئا”

الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- مراسلة: زكية العروسي

في سياق النقاش المستمر حول سياسة الهجرة والاندماج في فرنسا، جاءت تصريحات روتايو لتسلط الضوء على معادلة دقيقة تجمع بين الحزم الأمني والاحترام للحريات الدينية. فقد أكد أن سياسة بلاده لا تعني اتخاذ مواقف متشددة غير مدروسة، بل تقوم على أسس واضحة ومتوازنة، خاصة فيما يتعلق بقدوم الأئمة خلال شهر رمضان وعودتهم إلى بلدانهم بعد انتهائه.

من بين أبرز الرسائل التي حملتها تصريحات روتايو هو إدراكه لأهمية الفصل بين التطرف والإسلام كديانة، وهو ما يتجلى في تأكيده على أن مكافحة الإسلاميين المتشددين لا تعني بالضرورة التضييق على المسلمين الملتزمين بقيم الجمهورية. فوفقًا لرؤيته، فإن السماح بقدوم الأئمة خلال رمضان هو إجراء قديم ومنظم منذ عقود، وبالتالي، فإن الطعن فيه قد يؤدي إلى مزيد من التوترات داخل المجتمع الفرنسي.

هذه المقاربة تعكس وعيا سياسيا بضرورة عدم الخلط بين التدابير الأمنية والسياسات التمييزية، إذ يرى روتايو أن التضييق على حرية الممارسات الدينية يمكن أن يضر أكثر مما ينفع، حيث إنه قد يدفع المسلمين الفرنسيين إلى الشعور بالتهميش، مما قد يُضعف ولاءهم للجمهورية بدلا من تعزيزه.

يركز روتايو على ثنائية محاربة الإسلاميين المتطرفين من جهة، وتعزيز الشعور بالانتماء لدى المسلمين الفرنسيين من جهة أخرى. هذه المعادلة تحمل في طياتها إدراكا بأن التشدد ضد المظاهر الدينية المعتدلة قد يمنح المتطرفين ذريعة لتصوير الدولة الفرنسية على أنها معادية للإسلام، وهو ما قد يؤدي إلى تأجيج النزعات الانعزالية داخل بعض الأوساط المسلمة.
من هذا المنطلق، يبدو أن روتايو يراهن على استراتيجية احتواء ودمج، بدلا من تبني نهج قمعي قد يكون ذا نتائج عكسية. فالمسلمون في فرنسا ليسوا كتلة متجانسة، وغالبيتهم يطمحون إلى التوفيق بين إيمانهم وهويتهم الوطنية، وليس إلى الدخول في صدام مع الدولة. وبالتالي، فإن التشكيك في حضور الأئمة خلال شهر رمضان قد يعطي إشارة خاطئة للمسلمين الملتزمين بالقيم الجمهورية، بأنهم غير مرحب بهم في الوطن الذي يحملون جنسيته.

إحدى الجمل القوية التي أوردها روتايو هي قوله: “أرفض أن أترك انطباعا بأن على المسلم أن يكون مؤمنا سيئا ليكون فرنسا جيدا”. هذه العبارة تعكس موقفا يعارض بعض التيارات المتشددة داخل الساحة السياسية الفرنسية، والتي قد ترى أن ممارسة الشعائر الإسلامية تتعارض مع قيم الجمهورية.
لكن موقف روتايو هنا يدعو إلى التفريق بين مفهوم الجمهورية العلمانية الذي يضمن الحريات الدينية، وبين السياسات التي قد تؤدي إلى تهميش شريحة واسعة من المواطنين المسلمين. فهو يشير إلى أن تعزيز الانتماء الوطني لا يعني إجبار المسلمين على التخلي عن دينهم، بل إيجاد مساحة مشتركة تسمح لهم بأن يكونوا مواطنين مخلصين لفرنسا دون أن يُطلب منهم التخلي عن هويتهم الدينية.

تصريحات روتايو تحمل بعدا سياسيا واضحا، حيث إنها تسعى إلى التوفيق بين خطاب أمني متشدد ضد التطرف، وخطاب آخر يطمئن المسلمين بأنهم جزء لا يتجزأ من الأمة الفرنسية. في ظل تصاعد الخطابات المتطرفة من جميع الأطراف، يبدو أن هذه المقاربة تحاول تحقيق نوع من التوازن بين الحزم والانفتاح.
ومع ذلك، فإن نجاح هذا النهج يتوقف على مدى ترجمته إلى سياسات واقعية لا تتناقض مع المبادئ التي ينادي بها. فإذا استمرت بعض القرارات التي تستهدف المسلمين بشكل خاص، مثل حظر بعض الرموز الدينية أو وضع عراقيل أمام ممارساتهم، فقد يُنظر إلى هذه التصريحات على أنها مجرد مناورة خطابية لا تعكس حقيقة الواقع.
خاتمة
تصريحات روتايو بشأن سياسة الهجرة وحرية العبادة تحمل رؤية متوازنة تسعى إلى التأكيد على هوية الجمهورية الفرنسية كدولة تحمي الحريات الدينية، وفي الوقت ذاته تكافح التطرف. لكن يبقى السؤال المطروح: هل يمكن لهذه السياسة أن تصمد في وجه الضغوط السياسية المتزايدة؟ وهل ستترجم إلى إجراءات عملية تعزز فعلا اندماج المسلمين في المجتمع الفرنسي دون أن يشعروا بالإقصاء؟
في النهاية، تبقى قضية الهجرة والاندماج في فرنسا ميدانا ساخنا تتداخل فيه الاعتبارات الأمنية مع الهواجس الثقافية والدينية، مما يجعل أي موقف سياسي في هذا السياق رهينا بمدى قدرته على تحقيق توازن حقيقي بين الهوية الوطنية والحرية الدينية.

شاهد أيضاً

مغرب الحضارة يوم مشهود.. السلطان والقرآن معا من أجل تنمية عادلة ومستدامة

مغرب الحضارة يوم مشهود.. السلطان والقرآن معا من أجل تنمية عادلة ومستدامة الشاملة بريس بالمغرب …

عالم يحتفي بالعلم في مختبراته ويُحرّمه في محاكمه

عالم يحتفي بالعلم في مختبراته ويُحرّمه في محاكمه الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- إعداد: فيصل مرجاني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *