أمي الطاووس…(في حضرة امرأة لم تلدني، لكنها علّمتني معنى الأمومة)

🔊 استمع للمقال

أمي الطاووس…(في حضرة امرأة لم تلدني، لكنها علّمتني معنى الأمومة)

الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: زكية العروسي

يا طاووس الحنان
في دار العواصف
أيتها الممشوقة بالمهابة
كأنكِ خلِقت من صمت الأنبياء
ومن بريق النار
حين تلد الحكمة في العتمة
لستِ من زرعَتني في رحمها
لكنّكِ من علّمني أن الأمومة
ليست غريزة
وأن الحليب قد يكون من نور
لا من ثدي
كنتِ امرأة أبي فصرت خفقة قلبي
لم تلديني، لكنك حين وضعت يدك على كتفي
هدأ الوجع كما لو عاد إلى رحم يعرفه
كنت ظلّ الغريبة
فصرت شمسي إذا خافت أمي من وهج الحضور
كسرْت صنم “الخُبْث”
الذي أورثنا إيّاه التاريخ
عن وجه زوجة الأب
تقدّمت نحوي لا بوراثة
ولا بميراث
بل بيدين خاليتين من الضغينة
ممتلئتين بالحنين
يا طاووسَ البيت..كنت تمشين بخطى العدل وفي عينيك ظلّ أمّ
ما نمت حين كنت أبكي
علمتني أنّ الأمومة
حياة تمنح بكامل الوعي

قالوا: زوجة الأب ظلّ بارد.
لكنّك أضرمت فينا
دفء الأمهات
وغزلت من وحدتك
خيمة لقلبي الخائف
لم تحمليني، لكنّك حملت
ضعفي دون سؤال.

يا أمي الطاووس…
أيّتها الخارجة عن نصوص الموروث
الضاربة في شجرة الطيب
كأنك خلقت من ضلع الرأفة
أنت من كسّر مرآة الأسطورة
وخرج منها بصورة تدرَّس
كنت الحبّ لنا
حين تعب الحُبّ من إسمه
والماء في قلب الصخر
والصبر إذا جاع الفم
فكيف لا أراك أمّا
وقد صرت وطن الصدر؟
وكيف لا أسجد امتنانا
وأنت امي التي صلّتْ بي
دون أن ترفع صوتا أو تطلب أجرا، أو تلبس تاجا؟
لم تكوني يوما نذير خراب
كما قالوا عن زوجة الاب
لكنّكِ كنت المجد في هيئة أنثى
والعذر في شكل أم
تغزلين من السنين شال هدوء
وتضعينه على كتفي حين ترتجف روحي
ولا تجد صدرا تأوي إليه
أمي خيرة القصيدة
وأنت نبضها الذي لا يقال
أمي خيرة شجرة البيت
وأنتِ الريح التي تدفعها للسماء
ما كنتِ لها يوما خصما
بل اما إذا ضاقت بنا الأرض
ويدا أخرى ناعمة تسند الدهر
فيا أمي الطاووس…يا امرأة
لم تأخذ من الأنوثة إلا وقارها
ومن الأمومة إلا سرّها
ما بين أمي خيرة وأنتِ
انقسم المعنى ثم التحم
فصار للأمومة شكلان:
أحدهما يلد والآخر يربّي
خيطان من ذهب ينسجان معنى الأم في روح واحدة

إبنتك زكية