التحليل الغوغائي وأثره في تقويض صورة المغرب السيادية
الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: فيصل مرجاني
نلاحظ مؤخراً انزلاق بعض الأصوات، بدافع السذاجة أو انعدام النضج السياسي والفكري، أو تحت وطأة أجندات حزبية وإيديولوجية ضيقة، نحو ترويج سرديات هزلية تُقحم الجزائر، أو الإمارات، في قلب التفاعلات الاجتماعية التي يشهدها المغرب. هذه الأصوات التي تُسوّق خطابها في صيغة “تحليلات” إنما تعكس حالة من الغوغائية الفكرية التي تختزل التعقيد السوسيولوجي والسياسي في ثنائيات تبسيطية لا تخدم سوى إضعاف الوعي العام.
إنّ الادعاء بأن الجزائر تقف وراء الحراك الاجتماعي بالمغرب، لا يختلف في جوهره عن الخطاب الرسمي للسلطة الجزائرية الذي يزعم أنها “قوة ضاربة”، بينما تعجز عن تجاوز أزماتها البنيوية الداخلية، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. المفارقة الكبرى أنّ مروّجي هذا الطرح يغفلون أنّ الجزائر ذاتها على موعد مع حراك داخلي شبابي يوم غد، ما يجعل التوظيف الخارجي لهذه الأطروحة أقرب إلى الإسقاط النفسي منه إلى التحليل الواقعي.
أما السردية الأخرى التي تُقحم الإمارات باعتبارها قوة تعمل على زعزعة الأمن القومي المغربي، فهي بدورها تجسيد لعقلية المؤامرة التي تتأسس على منطق العجز؛ إذ يَصعُب على أصحابها استيعاب أنّ المغرب، كدولة ذات سيادة ومؤسسات راسخة، لا يمكن اختزاله في كيان هش قابل للاختراق بمجرد أزمات حوار اجتماعية أو احتجاجات سلمية. فهذه الأطروحات لا تسعى إلى الفهم بقدر ما تشتغل على إعادة إنتاج صورة وهمية تجعل المغرب ساحة مكشوفة أمام التلاعبات الخارجية، وهو ما يتناقض مع حقائق التاريخ والجغرافيا والسيادة الوطنية.
ينبغي التأكيد هنا أنّ المظاهرات الاجتماعية، بما تحمله من مطالب معيشية أو سياسية، تُعد ظاهرة كونية، تشهدها مختلف دول العالم، وغالباً ما تُرافقها بعض السلوكيات غير السلمية أو غير الحضارية. غير أنّ تحويل هذه الظاهرة الطبيعية إلى مادة للتحليل الجيو-أمني المبتذل يندرج ضمن محاولة نزع الطابع الوطني عن الفعل الاجتماعي وإدراجه في شبكة مؤامراتية تُسقِط عن المواطن المغربي فاعليته ووعيه السياسي.
إنّ خطورة هذا الخطاب الغوغائي لا تكمن فقط في ضعفه التفسيري، بل في أثره الرمزي: إذ يسهم في تقويض صورة المغرب كدولة ذات سيادة ومناعة مؤسساتية، ويُعيد إنتاج أطروحة الخصوم التي تنكر على المغرب استقراره وقدرته على حماية أمنه الداخلي. إنها محاولة لتمرير الفكرة المسمومة ذاتها التي يكرّرها الخطاب الجزائري الرسمي: أنّ المغرب هشّ، قابل للاختراق، ويفتقد لسيادته الفعلية.
من هنا، يصبح من الضروري التمييز بين التحليل السياسي الرصين الذي يقرأ الاحتجاجات في سياقها الاجتماعي والسياسي الداخلي، وبين الغوغائية التحليلية التي لا تعدو أن تكون ضرباً من العبث الفكري. فالمغرب ليس مجرّد ساحة تُدار من الخارج، بل هو بلد سيادي عريق، تحصّنه شرعية المتمثلة في المؤسسة الملكية والدولة الوطنية وتوازناتها الداخلية والخارجية.
وبناءً عليه، فإنّ المطلب الملحّ اليوم هو قطع الطريق أمام هذه الخطابات المضلِّلة، التي تسيء لصورة المغرب في الداخل والخارج، وتختزل تعقيدات الواقع الاجتماعي والسياسي في نظريات سطحية. فكما أنّ للاحتجاجات مشروعية اجتماعية وسياسية، فإنّ للدولة المغربية مناعة مؤسساتية وسيادية تجعلها قادرة على استيعاب هذه الديناميات، وتدبيرها ضمن إطار وطني حكيم، تحت توجيه ملكي رشيد وسديد.