أخبار عاجلة

الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان (10 أكتوبر 2025): نحو جيل جديد من التنمية الترابية والعدالة المجالية

الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح البرلمان (10 أكتوبر 2025): نحو جيل جديد من التنمية الترابية والعدالة المجالية

الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- إعداد: د. هشام حلال

مقدمة

يُعدّ الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان لحظةً دستوريةً ذات دلالات سياسية ورمزية عميقة، إذ يجسد تفاعل المؤسسة الملكية مع السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويقدّم رؤيةً استراتيجية لتوجيه السياسات العمومية وتأطير الفعل السياسي في المملكة المغربية.
وفي هذا السياق، جاء خطاب 10 أكتوبر 2025 في ظرف دقيق، يتمثل في كونه السنة الأخيرة من الولاية التشريعية الحالية (2021–2026)، مما منح الخطاب طابعًا مزدوجًا: تقييميًا وتوجيهيًا في آن واحد، إذ جمع بين تقييم الأداء المؤسساتي وتحديد الأولويات المستقبلية لمسار “المغرب الصاعد”، كما وصفه الملك.

يهدف هذا المقال إلى تحليل هذا الخطاب من منظور أكاديمي شامل، من خلال الوقوف عند أبعاده السياسية والتنموية والخطابية، وإبراز ما يحمله من دلالات استراتيجية في مسار الدولة المغربية نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية.

 

أولًا: السياق السياسي والمؤسساتي للخطاب

يتخذ الخطاب الملكي في افتتاح البرلمان طابعًا دستوريًا مؤسسًا، حيث ينص الفصل 65 من الدستور المغربي على أن الملك يترأس افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية، ويوجه من خلالها خطابًا إلى الأمة والبرلمان.
ويأتي خطاب أكتوبر 2025 في مرحلة تتسم بخصوصيتين رئيسيتين:

1. ختام الولاية التشريعية: ما يجعله بمثابة تقييم مرحلي للعمل البرلماني والحكومي، ودعوة إلى الاستمرار في العمل بروح المسؤولية إلى نهاية الولاية.
2. التحول التنموي الراهن: تزامنه مع دينامية “الجيل الجديد من برامج التنمية الترابية” التي تم الإعلان عنها في خطاب العرش السابق، مما يمنحه بعدًا استراتيجيا يتجاوز الأجندة الحكومية الظرفية.

وبذلك، يمكن اعتبار الخطاب امتدادًا للرؤية الملكية التي تهدف إلى تجديد النموذج التنموي المغربي عبر إصلاحات هيكلية تضمن العدالة المجالية والاجتماعية وتحقق التوازن بين مختلف التراب الوطني.

 

ثانيًا: المحاور الكبرى للخطاب

1. تقييم العمل البرلماني والدعوة إلى المسؤولية

يبدأ الخطاب بإشادة صريحة بأداء المؤسسة التشريعية في مجالات التشريع والمراقبة والتقييم، مع التنبيه إلى ضرورة مواصلة العمل بنفس الجدية والمسؤولية حتى نهاية الولاية.
وتُعدّ هذه الإشارة تأكيدًا على مفهوم الاستمرارية المؤسساتية، الذي يجعل العمل البرلماني غير مرتبط بالحسابات الانتخابية الضيقة، بل بواجب وطني دائم.

كما دعا الملك إلى تجاوز أي تناقض بين “المشاريع الوطنية الكبرى” و“البرامج الاجتماعية”، مبرزًا أن التنمية الشاملة تتطلب تكامل السياسات القطاعية في إطار رؤية موحدة، وهو ما يعكس نزعة براغماتية وحدوية في التفكير السياسي الملكي.

 

2. إعادة الاعتبار للتأطير السياسي والتواصل المؤسساتي

يولي الخطاب أهمية مركزية لمسألة تأطير المواطنين والتواصل معهم، إذ حمّل البرلمانيين والأحزاب السياسية والإعلام مسؤولية تعريف المواطنين بالمبادرات العمومية والقوانين والحقوق.
ويبرز هذا التوجه إيمان المؤسسة الملكية بضرورة ترسيخ ثقافة ديمقراطية تواصلية، تعيد الثقة بين الدولة والمجتمع وتُقوّي الفعل السياسي الميداني.

فمن خلال هذا البعد، ينتقل الخطاب من مجرد تقييم العمل المؤسساتي إلى إصلاح الممارسة السياسية ذاتها، عبر جعلها أكثر قربًا من المواطن وأكثر شفافية وتفاعلية.

 

3. العدالة الاجتماعية والمجالية كخيار استراتيجي دائم

يشكّل هذا المحور جوهر الخطاب، إذ أكد الملك أن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفوارق المجالية “ليستا شعارًا ظرفيًا”، بل “توجّه استراتيجيًا” يجب أن يحكم كل السياسات العمومية.
يتضح هنا البعد المعياري والأخلاقي في الرؤية الملكية للتنمية، التي لا تقتصر على النمو الاقتصادي بل تشمل الإنصاف المجالي وتكافؤ الفرص.

كما دعا الخطاب إلى تعبئة جميع الطاقات وتغيير العقليات نحو “ثقافة النتائج”، مع الاستفادة من التحول الرقمي كأداة لتسريع التنمية الترابية.
يتضح إذًا أن الخطاب يؤسس لمرحلة جديدة من الحكامة العمومية تقوم على الفعالية، الرقمنة، والمحاسبة.

 

4. الأولويات المجالية والتنموية

حدد الخطاب ثلاث أولويات عملية واضحة تمثل محاور التنمية الترابية الجديدة:

1. تنمية المناطق الجبلية والواحات: الدعوة إلى سياسة عمومية مندمجة تراعي خصوصيات هذه المجالات التي تمثل 30٪ من التراب الوطني، بما يكرس العدالة المجالية والتضامن الترابي.

2. تنمية السواحل الوطنية: التفعيل الجدي لمخطط الساحل بما يضمن التوازن بين التنمية الاقتصادية وحماية البيئة، في إطار اقتصاد بحري وطني منتج للثروة وفرص الشغل.

3. توسيع المراكز القروية: اعتبارها فضاءات لتقريب الخدمات وتدبير التوسع الحضري، وإعادة هيكلة المجال القروي ضمن رؤية حضرية مندمجة.

تمثل هذه التوجهات ترجمة عملية لرؤية “المغرب الصاعد”، حيث تصبح التنمية الترابية ركيزة لتحقيق العدالة الشاملة.

 

ثالثًا: الأبعاد الخطابية والدلالية

1. البنية الأسلوبية

الخطاب يتميز بلغة متوازنة، تتراوح بين الرسمية والعاطفية، وتوظّف ضمير الجماعة (“نحن”) لإبراز وحدة المصير والمسؤولية.
كما يغلب عليه الطابع التحفيزي والتوجيهي بدل النقد أو المواجهة، مما يعكس أسلوب القيادة الموجهة والمبنية على الثقة في المؤسسات.

2. المعجم المفهومي

يتكرر في النص معجم دلالي مرتبط بثلاثة محاور كبرى:

النجاعة والتحول (فعالية، نتائج، تعبئة، تغيير العقليات)
العدالة المجالية والاجتماعية (تضامن، إنصاف، تكافؤ الفرص)
التنمية المستدامة (توازن، استثمار أمثل، الرقمنة، استدامة السواحل)

هذا التكرار ليس عرضيًا، بل يعكس محاولة ترسيخ ثقافة سياسية جديدة تجعل التنمية مشروعًا وطنيًا جماعيًا.

3. البعد القيمي والروحي

يُختتم الخطاب بالآية القرآنية:

«فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره…»
وهي صياغة تذكّر بالمسؤولية الأخلاقية للفرد تجاه الوطن، وتربط الفعل السياسي بالمحاسبة الدينية والأخلاقية، مما يعزز شرعية الخطاب وعمقه القيمي.

 

رابعًا: الدلالات السياسية والاستراتيجية

1. استمرارية الرؤية الملكية للتنمية الترابية:
الخطاب امتداد طبيعي لسلسلة من التوجيهات الملكية السابقة، ويعكس حرص المؤسسة الملكية على ضمان التناسق الاستراتيجي بين العهود الحكومية.

2. مأسسة العدالة الاجتماعية والمجالية:
لم تعد هذه القضايا شعارات ظرفية بل أصبحت إطارًا مرجعيًا للسياسات العمومية، ما يعني الانتقال من الخطاب إلى التخطيط والتنفيذ.

3. إعادة الاعتبار للمجال المحلي كمنطلق للتنمية:
الدعوة إلى “توسيع المراكز القروية” و“تنمية الجبال والسواحل” تكشف تحولًا عميقًا في فلسفة التنمية المغربية من المركز إلى المحيط.

4. إرساء ثقافة النتائج والمحاسبة:
توجيه صريح ضد الممارسات التي “تضيع الوقت والجهد والإمكانات”، ما يشكل دعوة إلى ترسيخ الحكامة القائمة على النجاعة والشفافية.

 

خاتمة

يُمثّل خطاب 10 أكتوبر 2025 محطة مفصلية في مسار الخطابات الملكية، إذ يجمع بين التقييم المرحلي والتوجيه الاستراتيجي، ويؤسس لمرحلة جديدة من الإصلاح التنموي تقوم على العدالة المجالية والاجتماعية، والنجاعة، والتحول الرقمي.

إنه خطاب يجسد عقيدة الدولة التنموية الحديثة في صيغتها المغربية، حيث تتكامل الرؤية الملكية مع العمل المؤسساتي والبرلماني لتحقيق تنمية شاملة ومتوازنة.
وبذلك يمكن القول إن الخطاب يرسخ “عقدًا جديدًا بين الدولة والمجتمع” قوامه المسؤولية المشتركة، والمواطنة الفاعلة، والتنمية المتكافئة.

شاهد أيضاً

ماذنب المنشآت ورجال الأمن بأخطاء السياسيين

ماذنب المنشآت ورجال الأمن بأخطاء السياسيين . الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: ضعيف عبد الإله  …

بلاغ المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية حول المظاهرات الشبابية

بلاغ المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية حول المظاهرات الشبابية الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- مراسلة: لجنة الإعلام …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *