جيل زيد–GenZ“.. صوت الواقع الاجتماعي المتجاوز للإطار الإيديولوجي

”جيل زيد–GenZ“.. صوت الواقع الاجتماعي المتجاوز للإطار الإيديولوجي”

الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: فيصل مرجاني

يشكل ”جيل زيد–GenZ“ في المغرب ظاهرة سوسيولوجية وسياسية معقدة، لا يمكن اختزالها في الصور النمطية التي رسخها الخطاب السياسي التقليدي، لأن هذا الجيل الذي ولد في فضاء رقمي مفتوح، متشبع بثقافة كونية، ومتصالح مع تقنيات العصر، لم يعد يستجيب للتمثلات الاختزالية التي ترى فيه مجرد جيل يبحث عن الترفيه واللهو وتضييع الوقت. إن ما وقع هو أن الفاعل السياسي المغربي، من أحزاب ومؤسسات منتخبة كالمجالس البلدية، والبرلمان، فشل في بناء مقاربة تشاركية حقيقية تقوم على إشراك هذا الجيل في صياغة السياسات العمومية، حيث اكتفى بتصور سطحي جعله يظن أن توفير رياضة القرب، أو تنظيم بعض المهرجانات الموسيقية، أو إقامة عروض موسمية كاف لاستيعاب انتظارات شريحة شبابية تشكل اليوم ركيزة أساسية في بنية المجتمع.

 

بحيث زادت هذه المقاربة الخاطئة من عمق أزمة الوساطة السياسية في المغرب، إذ أصبحت الأحزاب السياسية والمؤسسات التشريعية بعيدة عن إدراك أن هذا الجيل لا يقاس بحضوره في الملاعب أو الحفلات، بل بقدرته على إنتاج وعي جديد حول العدالة الاجتماعية، تكافؤ الفرص، والمواطنة الكاملة، ”فجيل زيد–GenZ“ المغربي، مثل نظرائه في الغرب، يرقص في نهاية الأسبوع ويشارك في المهرجانات، لكنه في الوقت ذاته يبني تصورات دقيقة حول عالم ريادة الأعمال، ويبحث عن حلول مبتكرة للمشاكل البنيوية التي ترهق مجتمعه، من هنا يتجلى سوء الفهم البنيوي لدى الفاعل السياسي الذي لم يفرق بين الكماليات التي تملأ أوقات الفراغ، والأساسيات التي تشكل جوهر العيش الكريم.

 

وعلى هذا الأساس يتضح لنا أن هذا الجيل يعيش نوعاً من الوعي المزدوج؛ فمن جهة، يتفاعل مع مظاهر الثقافة والأنشطة الترفيهية، والمباريات الرياضية، لكنه من جهة أخرى، يراقب معاناة والديه في توفير السكن اللائق، والحاجيات الأساسية اليومية، والاستفادة من خدمات صحية متوازنة، وضمان تعليم عمومي ذي جودة، وتبعا لذلك، يعكس هذا الوعي المزدوج انتقالا من اللامبالاة إلى الإدراك النقدي، ومن التسلية والترفيه إلى بناء تصورات أكثر عمقاً حول هشاشة البنية الاجتماعية، إنه وعي يجعل هذا الجيل يتبنى موقفا نقديا تجاه السياسة، ليس من باب الرفض المطلق، بل من زاوية إدراك أن السياسة العمومية كما تمارس اليوم بعيدة عن حاجاته الفعلية.

 

ولعل المفارقة الكبرى أن بعض النخب السياسية مازالت أسيرة خطابات ستينيات القرن الماضي، بين قومية متجاوزة، ويسار عقائدي لم يجدد أدواته التحليلية، وأخرى دينية إيديولوجية توظف المقدس لخدمة مكاسب سلطوية ضيقة، هذه الخطابات كلها تتناقض مع الحساسية الجديدة ”لجيل زيد–GenZ“ الذي ينظر إلى الدين باعتباره حرية شخصية وفضاء فردياً لا علاقة له بالتسيير والسياسات العمومية، من هنا تتجلى ملامح ما يمكن تسميته “حرب الأجيال” الرمزية بين منظومة فكرية قديمة تحاول فرض وصايتها على الواقع، وجيل جديد يريد التصالح مع ذاته ومع واقعه عبر سياسات عمومية ملموسة، متقدمة، ومرتبطة بمقتضيات الزمن الراهن.

 

الأمر الذي يجعلنا أمام فجوة واضحة بين الأجيال في إدراك السياسة وآليات ممارستها، فبينما مازالت بعض النخب السياسية حبيسة خطابات إيديولوجية متجاوزة، يسعى ”جيل زيد–GenZ“ إلى بناء مقاربة جديدة تقوم على التفاهم والحوار والتصالح مع الواقع، وإعادة صياغة علاقة مختلفة مع الدولة والمجتمع السياسي. فهذا الجيل لا يرفع مطالب مستحيلة ولا ينجرف وراء شعارات طوباوية، بل يركز على قضايا ملموسة وواقعية: إصلاح المنظومة الصحية، تجويد المدرسة العمومية، توفير فرص الشغل، وضمان شروط عيش كريم، وبالرغم من بساطة هذه المطالب في ظاهرها، إلا أنها تعكس عمقا سياسيا واجتماعيا كبيراً، لأنها تعيد تعريف وظيفة السياسة باعتبارها أداة لتدبير الشأن العام وخدمة المواطن في حياته اليومية، لا مجرد ساحة لتصفية الحسابات الأيديولوجية أو لتحقيق مكاسب سلطوية ضيقة.

 

في هذا الصدد، تضع هذه الوضعية الفاعل السياسي المغربي أمام تحد مضاعف؛ فمن جهة، هو مطالب بالخروج من اختزال السياسة العمومية في مبادرات موسمية سطحية، ومن جهة أخرى، مطالب ببناء علاقة تشاركية جديدة مع هذا الجيل عبر آليات الحوار والتفاهم، وليس عبر الوصاية والتبخيس، لأن ”جيل زيد–GenZ“ أثبت أنه قادر على التعبير عن ذاته بوسائل مبتكرة، من خلال الفضاء الرقمي الذي أصبح مجالاً لتشكيل الرأي العام وصناعة الحركات الاحتجاجية، فالمنصات الرقمية مثل TikTok وInstagram وDiscord أصبحت اليوم أكثر تأثيرا في صناعة الوعي الجماعي من الإعلام التقليدي أو لغة الاحزاب والسياسين، ما يكشف عن تحول عميق في بنية الوساطة الاجتماعية والسياسية.

 

ويعكس هذا التحول أزمة بنيوية في الوساطة الحزبية والبرلمانية التي لم تنجح في تجديد نفسها، بحيث أن الأحزاب السياسية لا زالت متمسكة بخطاب خشبي، والبرلمان لم يعد يشكل منصة حقيقية للتعبير عن هموم الناس، والمجالس المنتخبة غارقة في تدبير بيروقراطي بعيد عن هموم المواطن، في مقابل ذلك، يصوغ الشباب أجندته بنفسه، ويؤسس لمجالات حوار بديلة عبر العالم الرقمي، ما يعني أن المعركة لم تعد معركة إيديولوجيات كبرى، بل معركة إعادة تعريف المقاربة السياسية.

 

إذا ف ”جيل زيد–GenZ“ المغربي ليس جيلا ضائعا أو عابثا كما يصور، بل هو جيل يفرض على الدولة إعادة التفكير في هندسة السياسات العمومية بمقاربة ومنهجية أكثر شمولية وتشاركية، فالتجاهل المستمر لانتظاراته لن يؤدي إلا إلى اتساع الفجوة بين المجتمع والمؤسسات، وإلى تعزيز فقدان الثقة في السياسة والفاعلين، وهو ما قد يفضي إلى انزلاقات يصعب التحكم فيها على المدى المتوسط لأن الحل يكمن في الاعتراف بقدرة هذا الجيل على صياغة بدائل، وتوفير قنوات مؤسساتية تستوعب وعيه النقدي ومطالبه الواقعية.

 

لأن مستقبل المغرب السياسي والاجتماعي مرتبط بمدى قدرته على استيعاب هذه التحولات والتغيرات داخل المجتمع، وبمدى استعداد الفاعل السياسي للتصالح مع هذا الجيل وفق مقاربة جديدة تجعل من السياسات العمومية أداة لتحقيق الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، وليس فقط مجرد خطابات سياسية أو برامج ووعود انتخابية، وعلى هذا المنوال، تكمن ضرورة إعادة بناء الشرعية السياسية على قاعدة التشاركية، والتفاهم، والحوار بين الأجيال، باعتبار أن التغيير الحقيقي لا يتم إلا من خلال إدماج الشباب في صياغة القرار العمومي، لا عبر تهميشهم أو تسفيه وعيهم.

 

في نهاية المطاف، يبقى ”جيل زيد–GenZ“ المغربي جيل المفارقات: جيل يرقص ويحتج، يستهلك الثقافة الرقمية ويطالب بإصلاح المدرسة العمومية، يعيش في عالم افتراضي لكنه يعي بعمق مأساة العيش الواقعي، وهو بذلك يعلن بصمته التاريخية في حرب الأجيال الرمزية، داعيا إلى قطيعة مع الإيديولوجية وإلى التصالح مع الواقع، في انتظار أن يلتقط الفاعل السياسي هذه الإشارات قبل أن تتحول إلى أزمة سياسية واجتماعية أعمق.

شاهد أيضاً

بلاغ حول حراك شباب z الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان 

بلاغ حول حراك شباب z الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان  الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- مراسلة: …

تحولات الاحتجاج المغربي من 20 فبراير إلى جيل “زد”

تحولات الاحتجاج المغربي من 20 فبراير إلى جيل “زد” الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: عبده …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *