المبدع عبد الكريم برشيد والكتابة الركحية

المبدع عبد الكريم برشيد والكتابة الركحية

الشاملة بريس بالمغرب وأوربا- إنجاز: دة بن المداني ليلة – باحثة في العلوم الإنسانية

إذا كان كل فكر وليد واقعه وساهم في تأطيره فإن أي أحد استطاع برشيد أن يعيد تشكيل فلسفة التواصل؟ الدرامي؟

إن إعادة النظر في المرجعيات الأرسطية والأرطية والكانطية، والكانطية الجديدة، والحداثة وما بعد الحداثة، وأصحاب الاختلاف، سيدعونا إلى تجاوز فلسفة الوعي، والعقل، والتأمل الإشرافي وذلك بواسطة فعل التواصل، وهذا الإيثائي إلا بالعودة إلى الفلسفات الأخلاقية، واللغوية، والتأملية، وإلى اللاعقل الأداتي، لأن قضيةالفضاء العمومي، والمجتمع المدني وسقوط جدار برلين، وتزايد الفوضى، والتنافس والأزمة العقلانية العلمية التي وسعت مدارك الإنسان المعاصر، مما جعل التلوث الإيكولوجي يخنق الإنسان، وأصبح البعد الإقتصادي المتكتل هو المهيمن، لذا دعا هابيرماس إلى إعادة النظر في الديمقراطيات، والأخلاقيات السائدة، عارضا براغمته النقدية برؤية أخلاقية، وبواسطة حجاج، مما جعل الفكر يربط بين الأخلاقي والسياسي، كما في كتابه “العقل والشرعية” لأن العالم الذي نعيشه، عالم يكتنفه الغموض والإبهام، وراح كل مفكر، وعالم، وأخلاقي وفنان، يصوغ العالم كما يحلو له، دون تمايز بين ما هو معطى، وما هو ممكن، الشيء الذي هو الأساس في كل عملية بنائية ديمقراطية، فلم يعد من الممكن الدفاع عن اللبرالية المتوحشة إلا عن طريق الديمقراطية التشاركية، فبرشيد في متونه خاطب بدوره الوعي عن طريق الخيال، والخيال عن طريق الكتابة، حتى أصبح الفعل الدرامي نقدا للكائن، وللذات الثابتة، فاعتماد الركن التواصلي، هو البعد عن الصراعي، من أجل المناقشة الحوارية التي تعكس بوادر النظرية الأخلاقية، وهذا التواصل هو فهم للبيذاتية التي تخص تطور الأنظمة ما بعد الدولة – الأمة – من أجل صياغة مفاهيم نظرية أخلاقية، حيث لا نجد برشيد في إشارة مباشرة لمبدأ التواصل الدرامي ككتابة درامية مما جعل هذا الطابع الإجرائي والمنهجي الذي يتميز به فعل التواصل كأرضية لطرح الأسئلة التالية:

كيف نختار فعل التواصل؟

وكيف يبنى فعل التواصل كموضوع درامي عملي اجتماعي حقيقي؟ وكيف نصوغ السؤال التشاوري الذي عنه يصدر التواصل؟ وكيف يتحدد التواصل الرشيدي كفعل اجتماعي ديمقراطي؟ يتوجب أن يولى برشيد لها الاهتمام الأقصى كفلسفة درامية جديدة، تهدف إلى مقاومة سقوط في الصراع، والنسيان باعتبارها أسئلة كثيرة تطرح نفسها عند تقديم هذه الدرامية ذات الأبعاد الدرامية وعلاقتها بالتقنية الدرامية، باعتبارها فلسفة حوارية اختلافية، لأن فلسفة الدراما المعاصرة هي تجاوز الحالة الراهنة للإنسان التي صنعها الفكر المؤسساتي كفكر يعتمد في نيته على التسلط في أبعاده الفرجوية دون إعادة النظر في جوهر الفن الدرامي، ولا في معرفة الفنان، ولاف في النصوص المقدمة للدعم والترويج، هكذا أصبحت صورة الحياة المقدمة للمتفرج، هي حياة مفبركة تعتمد في إنتاجاتها على منتجات هامشية، ليتسنى لها توزيع إنتاجها التسويقي والاستهلاكي فهذا الدعم الذي يعيد صياغة القيم الجمالية، والفنية، والفلسفية التي يحملها، أمسى هدف المسرح المؤسساتي، هو الوصي الذي جعل الفنان محاصرا بعروض مقدمة، مقابل ثمن رخيص، لذا نتساءل هل الفنان هو الإنسان الممثل؟ أم الفنان هو الإنسان الممثل السيد حسب برشيد؟

فبرشيد لا يحاكي الواقع، ولا يطابق اللغة، بل يعمل على فك الأسر على المجتمع، وإخراجه من دائرة الاستيلاب والتشيؤ إلى مجال الأسئلة الفلسفية، والاجتماعية، فأطروحة برشيد هي افتراض جوانب فكرية وموضوعية وذاتية في شكل مسارات تمسرحية، خلافا لكونها حججا أخلاقية ومقاومات ورفضا لقبول أطروحة النثرية النهضوية والتقليدية، لأن الكتابة عنده هي استمرارية للعمل الإبداعي التي ستكون كأداة أساسية وفعالية، حيث تهدف من ورائه إلى إعادة تشكيل الإنسان بما يضمن مصالحه ومصالح شعبه، ووطنه، فبرشيد في تخريجاته الفردية تمثل النقطة الجوهرية للحداثة، مثلها باللغة، والجسد، والروح، والحرية، وحرررها من القيود التقليدية التي هي الطقس المتدين بالاحتفال، إذن كيف بنى برشيد احتفاليته؟ هل حاول تأسيس مسرحا يخاطب الإنسان عن طريق الإنسان الحر؟ لقد استعاد الفرد شخصيته وصرامته كما يقول بالمعرفة، والقيم والوجود الممكن إذن فعن طريق المغايرة أبدع لنا ايروسا عربيا جديدا يتخطى كل الحدود والمتاريس ليكون الخيال هو كفاية وقدرة على تمثل الواقع وتصويره في علاقات متنوعة، تنوعا عن شروط الواقع المعيشي، فهو عبارة عن تعبير نفساني، حيث تستعيد الذاكرة عبره الواقع المتخيل كما يرى سيلستان بوغلي Celestin Bouglé، لأن الأفكار المسبقة لا تنتج المعارف، ولا ترتبط بالحكمة الموضوعية كما يقول دوركايم في كتابه قواعد المنهج الاجتماعي ص32 بحيث تحدد المعرفة الخيالية بالمجال المبحوث عنه داخل المملكة الشعرية الدرامية، فليس مسموحا للباحث الذي يدرس المسرح بأن يقتصر على مقاربة وصفية وكمية لهذا الخيال، عليه أن يسائل الخيال ذاته، لأن التفكير المعتمد على الثنائيات الحقيقة الخيال، لا تبقى اعتباطية نظرا لارتباطها بعرامة الهوية، ولوضعها الموظف وليس من شك أن كل محاولة من الخيال لتفجير كنه الأشياء، عبر آليات تخرق أنالوجية المعطي، والفلاسفة لم يهتموا بالبعد النفسي الإبداعي، بل اهتموا بسكولوجية التلقي، فرفض أفلاطون الارتباط العقل بالخيال، وربط الخيال بالعقل بدعوى أن ما يميز هذا الأخير هو فكرة الإقناع وأن ما يميز الإقناع هو الوضوح فالتخييل مرتبط بالمتلقي والتخيل مرتبط بالمبدع، وابن عربي يرى أن الكون خيال وهو وهو حق في الحقيقة، فبرشيد في كتابته الخيالية ربط الصدق والنفس بكيفية تجعل المتفرج يقتنع بما هو معروض أمامه ليس واقعا، لأن الاحتفالية هي خطاب صادر عن المبدع الذي يلقن الدراما، أو الحاكم الذي يزرع النخوة في النصوص، كما جعل الجدل ممارسة تميل إلى الثورة، باعتبارها قياسا قابلا للتمسرح، فالكتابة عنده ذات متعددة لا يمكن الوقوف عليها إلا من خلال تتبع مساراته الإبداعية والتنظيرية، وكذا من خلال تداوله تاريخيا، لأن الكتابة اختلفت عنده وتعددت مفاهيمها، باختلاف التوظيف المنهجي، والدرامي، إذ بدأ هاويا ينتج لنا سلعا استهلاكية تقدس الهاوي، وتكسر الواقع بالمادي الجدلي لا يحتمل التأويل الوحيد، بل يدعو إلى سبر أغواره، وتفسير سلوكاته إلى أن صار ضريحا للهواة، ثم توسع مفهوم المسرح عنده، فاتخذ القيم النفسية والاجتماعية من خلال اللغة الإبداعية الشعرية كما يقول جون كوهن في كتابه “بنية اللغة الشعرية”، ص36، وهذه النقلة والرحلة الدرامية جعلت مسرحه كأداة منهجية لتحليل وتفكيك المجتمع، فالكتابة الدرامية تؤسس دراميتها على مادة محققة بعد القيام بتأويلها، وذلك أن النصوص المسرحية البرشيدية يحتوي على أفكار رؤى تاريخية وموضوعية التي لا مناص منها، فالمسرح البرشيدي هو برهان ووحدة تاريخية ورد فعل ايديولوجي، وإطاحة بكل الأجناس النثرية، لا حلال نظام جديد يحقق طموحات جسدية بكل فصائلها وتياراتها، لذا أثار العديد من الأسئلة التنويرية، مستعرضا تجارب سياسية وتراثية كجبهة تحررية وكخريطة للواقع الفكري والسياسي لأن التناقضات بين القوى جميعا أعمق من إمكانية التئامها في إيديولوجية توحيدية جبهوية كما يقول محمود اسماعيل (في نقد حوار المشرق والمغرب) ص54، لذا عمل برشيد في إبداع لغة ركحية، تتساوق مع شروط الفعل الدرامي، متجاوزا كل الأطروحات اللسانيات، المعيارية، والمألوفية، لذا فبرشيد أيقظ فينا العديد من الأسئلة، فقضية التراث، وموقف المثقف من السلطة، وهل هناك مثقفا احتفاليا؟ وكيف يتم التعامل مع اللغة؟ وما علاقة الاحتفالية بعلم النفس والفلسفة؟ هل الاحتفالية ايديولوجية جديدة في الخطاب المسرحي؟ وهل برشيد هو شيخ الزاوية الاحتفالية؟ وما علاقتها بالتاريخ، كيف يتعامل هذا الشيخ مع مريديه؟ أسئلة كثيرة ومتنوعة أرجو أن أجيب عنها في مقالات أخرى.

شاهد أيضاً

استعدادات مكثفة لتنظيم النسخة الثالثة لمهرجان سينما المدارس

استعدادات مكثفة لتنظيم النسخة الثالثة لمهرجان سينما المدارس الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- مراسلة: الكبير الداديسي …

تهريب الجمع العام لجمعية الأعمال الإجتماعية لموظفي وزارة الثقافة

تهريب الجمع العام لجمعية الأعمال الإجتماعية لموظفي وزارة الثقافة الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- *بقلم/ الدكتورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *