تحية الفكر والإرادة المتجددة
الشاملة بريس- مملكة اطلانتس الجديدة ارض الحكمة
(المحاضرة 33 ) في ,فلسفة البناء, الجزء الثاني
رماز الأعرج
أن ما نعيشه اليوم في ظل الأنظمة السياسية المعاصرة والديمقراطية فإن مصالح الطبقة المالكة ليس شرط أن يمثلها أشخاص من نفس الطبقة, بل تختار هي مرشحين من بين النخبة المرتزقة في البلاد وهم كثر , وتستخدمهم أداة لتمرير مصالحها, وتصنع من تشاء و ترفض وجود من تشاء, بل قد تشكل أحزاب سياسية للتعبير عن مصالحها , دون أن يكون في هذه الأحزاب أي شخص من هذه الطبقة الثرية المالكة لكل شيء في النهاية, البلاد والعباد.
وكما في الوضع الداخلي للبلاد وفعل الديمقراطية, نرى الشيء والأعراض والمظاهر نفسها تتكرر وإن بشكل أكثر اتساع وتعقيد, إلا أن الواقع يكاد يكون نفسه, وذلك بحكم طبيعة الفكر الاجتماعي الأساسي الذي بنيت عليه المجتمعات المعاصرة, والديمقراطية , وهذه الأخيرة لا تتعارض مع الطبيعة الجوهرية للصراع وإمكانية حسمه بالقوة عند الضرورة, لذلك نرى أن القوي من الدول في حال تعذر عليها تحقيق أهدافها ومصالحها بالعرف والقانون تلجأ إلى القوة لتحقيق هذه المصالح, وهذا نفسه هو مبدأ الديمقراطية الأساسي والأهم الذي تقام عليه جميع القواعد والاشتقاقات الفرعية الأخرى, حيث يشكل أصلا وليس فرع في فهم الديمقراطية وممارستها وتطبيقاتها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
وحين التدقيق والاستنتاج يمكننا القول أن الحروب ليس سوى الوجه الآخر للديمقراطية وقوانينها الخرقاء المجحفة الغير متوازنة و الغير عادلة التي تميل لصاح القوي وتحميه بلا أي اعتبارات أخرى , (خضوع الأقلية للأغلبية) وحسب, بدون أي شيء أخر, قانون قاطع كما السيف بلا التباس أو غموض, ترى من سينصف المغلوب ,؟ لن ينصفه شيء سوى القوة في النهاية, تحقيق الأغلبية, والغلبة , وإن بالقوة فهي لصاحبها أيا كنت, وتعزز مكانته وتحفظها, هذا هو القانون الحقيقي للديمقراطية, وهنا يبرز سؤال خطر وحساس للغاية, مع احترامنا للديمقراطية والمدافعين عنها كما هي,,
ما الفارق بين الديمقراطية وقوانين الغاب؟؟ , أو قوانين الطبيعة المحضة؟؟, كما الأسماك في البحار مثلا, وهل يعقل أن يبقى المجتمع البشري ممارساً لمثل هذه الصراعات الذكورية الجامحة والبدائية, وفي الوقت نفسه ندعي الحضارة والتمدن والإنسانية, وفي النهاية يحكم هذا كله قانون بدائي همجي يلصق بالمجتمع ويسقط عليه حفاظ على نظام الملكية الخاصة ألذكوري الأصول والطبيعة والمنشأ (يمكن الرجوع لكتاب التاريخ لعبة الحضارات) للمزيد من التوسع في الموضوع.
ولو ألقينا نظرة سريعة على طبيعة العلاقات الدولية والقوانين الأساسية التي تحكم العالم المعاصر ونرى علاقتها بالديمقراطية و طبيعتها الجوهرية سنكتشف ونفاجأ بأن هذا النظام والقوانين ليس سوى استكمال لنفس اللعبة التي سيطرت على العالم منذ آلاف السنين حول الديمقراطية, وحول مفهوم القوة والسيطرة والاستغلال والعنف, بل إن الحروب نفسها قد أفرزت قوانين وتركت أثرها وفعلها عبر التاريخ لعشرات القرون في بعض الأحيان, وما زال الواقع هو ذاته لم يجري على جوهره أي تغير أو تعديل, وأقرب مثال على ذلك هو نظام الملكية الخاصة نفسه و الديمقراطية كأحد مظاهره ومفاعيله المرافقة له منذ نشؤه وحتى يومنا هذا.
و تبين لنا أيضاً أن هذا القانون الديمقراطية لا يختلف كثيراً في فعله بين الداخل والخارج من حيث الجوهر على صعيد البلاد أو خارجها بين الدول والأمم, فهو قانون في النهاية له دوره وأثره بين أي جماعة كانت بغض النظر عن حجمها ومكانها, ما دامت جماعة تعيش في نظام سياسي معاصر ومتمدن حسب التصنيفات الدارجة اليوم عن مفهوم المدنية, ومن أهمها أن الحروب لا تظهر إلا بعد فشل الديمقراطية,, هذا ما يقوله الغالبية من الباحثين.
أما في حقيقة الأمر فإن الموضوع أكثر عمقا من ذلك مع احترامنا لكل الآراء التي تقول وتدعي أن الديمقراطية فقط صالحة لمجتمع السلم والرخاء, فنقول له إن الصراعات العنيفة والحروب ليس سوى تطبيق للديمقراطية ذاتها, بل هو النصف الآخر للديمقراطية , بل هو التعبير الحقيقي عنها وعن نظامها الطبقي المنحاز لصالح القوي وليس المغلوب, بل تمعن الديمقراطية في قهر المغلوب وتخضعه للغالب, بل وتتيح قمع المغلوب فيما لو رفض الانصياع, أي تشرع استخدام العنف ضده لردعه وتحقيق مصالح الأغلبية الغالبة القوية.
(يا ضعيف لك الله يكفيك فاشتكي له ما شئت) ألم يوافق على شروط اللعبة حين شارك بها, إن مشاركته في هذه اللعبة الماكرة قد تنقلب على رأسه في أي لحظة, فهو في النهاية بمشاركته هذه يعطي الشرعية للنظام السياسي ويمكنه من قمعه في أي لحظة تسول له نفسه الخروج عن شروط اللعبة فيما بعد, (خضوع الأقلية للأغلبية بالنسبة البسيطة النصف + 1, بغض النظر عن العدد أو النسب في التفاوت)
هذا ما لم يخطر على بال الأقليات الصغيرة حين مشاركتها في هذه اللعبة الخرقاء تحت شعار أن لا بديل عن الديمقراطية في التغبير وإعطاء الفرصة للجميع للمشاركة في الحكم و انتخاب السلطة السياسية, من خلال انتخب مندوبين عنهم, آلاف من الناس ينوب عنهم مندوب وأحد (يختصرهم جميعا في شخصه الكريم الموقر) وهو في النهاية قد لا يمثل حتى نفسه بل سيمثل الجهة التي سترتبط بها مصالحه الخاصة والفردية الذاتية في نهاية المطاف, ونادر جدا أن يبقى هذا المندوب المنتخب على مبادئه بعد دخوله معترك المؤسسات السياسية الكبيرة وعملها, حيث يتذوق طعم بذخ الحياة المترفة للسياسيين وامتيازاتهم المادية و المعنوية والاعتبارية, فتتحول ميولهم إلى من هو ولي نعمتهم, و(من يأكل من خبز السلطان يضرب بسيفه) هكذا تتحول المصالح وتتغير النفوس.
والنتيجة النهائية إن الديمقراطية ذات وجهين متضادين ينقسمان بين السلم والحرب, الرضوخ والخضوع والتمرد, القمع والغلبة والانتصار , والتنافس والصراع الدائم من أجل تحقيق الغلبة أو الحفاظ عليها, و إلا الخسارة هي المصير المحتوم, والخسارة تعني التهميش والتغيب والخضوع , وهكذا بلا انقطاع صراع محموم دائم وتقوده وتغذيه دوافع الضغينة والتنافس والغلبة بدل التقاسم والتكافل والتكامل والتعاون.
إن القضية ليس مجرد قضية سلوكية أو أخلاقية, بل هي قضية مادية محضة علينا إدراك جذورها وأبعادها المختلفة العميقة والخارجية, فغياب العدالة في الاقتصاد وتوزيع الثروات هو أساس جميع التناقضات الاجتماعية التناحرية بلا استثناء, أي بالضرورة علاج مفهوم الملكية الخاصة بالدرجة الأولى إذا أردنا فعلا أن نعالج الأمر من جذوره الفعلية والجوهرية, والخلل ليس أخلاقي أو قانوني أو ديني, بل الخلل واضح أمام كل عاقل, ولا يمكن الاستمرار في خداع الفقراء والجياع إن الله هو من يوزع الأرزاق على الناس, فيجوع هذا ويشبع ذاك حتى التخمة , وجاشا لله أن يكون على هذه الشاكلة .
في النهاية تركت الديمقراطية فعلها وأثرها على النظام العالمي الحديث والقديم وما زالت, بل إن القوانين والأعراف الدولية والعالمية هي عبارة عن امتداد وخلفية للديمقراطية المزعومة و الممارسة في العالم داخلياً في الدول التي أصبحت تعتمد الديمقراطية غطاء سياسي تشريعي لها و لأنظمتها السياسية, وسنوضح في النقطة القادمة طبيعة القوانين الدولية وعلاقتها بالديمقراطية.
رماز
ارض الحكمة