مكناس يا مكناس كيف كانت وكيف ولات؟؟
الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- إعداد: زايد الرفاعي / باحث في الخطاب الإعلامي 
[هل مدينة مكناس عاصمة ثقافة وتراث أم بؤرة تناقضات؟!
هل صحيح مكناسة مدينة ماضيها أفضل من حاضرها؟!]
يحق للمكناسيين بعد تصنيف الملحون كتراث عالمي لامادي، سَبَقَهُ تصنيف مكناس حاضرة تراثية من لدن منظمة اليونيسكو، أن يرفعوا هامتهم بوسامة ويقولون: إن كانت الرباط العاصمة الإدارية، وفاس العلمية، ومراكش السياحية، فإن مكناس العاصمة البانورامية حاضرة الفنون ومدينة الملوك والسلاطين التي خصَّها المولى إسماعيل بتشييد وعناية استثنائية، نظرا لعراقتها وأصالتها، إضافة لسحرية جمالية بنيتها، والتركيبة الهندسية لبناياتها وفلسفة طقوسها وتقاليدها.
لقد لُقِّبَت مكناس بباريس الصغرى، وسطعت كأيقونة للفن والثقافة، لأنها رونق الممكلة التي تعاقبت عليها عدة حضارات، فامتزجت بفسيفساء من الثقافات توزعت مابين عربية وأمازيغية ويهودية… دونما أن يحدث مس في هويتها وخصوصياتها، باستثناء الحضارة الإسلامية التي كانت عاملا رئيسا في الحفاظ على تاريخها وحضارتها وثقافتها.
حيث بالبرغم من أن المدينة تشكل كوكتيلا من الثقافات العربية والأمازيغية والغربية، إلا أن اللمسات المغربية العريقة لا تزال آثارها تبدو جلية في كل جوانب المدينة، خصوصا؛ فيما تزخر به من هندسة معمارية وما يميزها من مبان تراثية، فيستحيل أن تذكر مكناس دون الإشارة إلى ما تتميز به من تراث مادي واللامادي، فالمآثر التاريخية التي تتفرد بها جعلتها تحتل وتَتَبَوَّؤُ صدارة أجمل مدن شمال إفريقيا، بل أن تحظى بتصنيفها من لدن منظمة اليونيسكو من بين أفضل وأجمل مدن العالم، ولعل أبرز هذه المآثر نجد: السور اسماعيلي، ساحة الهديم، سهريج السواني، ضريح مولاي اسماعيل، ساعة لالة عودة، مسجد خناتة بنت بكار، الشيخ الكامل، وحبس قارا… إلى جانب حدائق، سواقي، أسوار، متاحف صغرى، وأبواب ودور شهيرة مثل: (باب المنصور، باب بردعاين، باب تيزيمي، باب بوعماير، ودار السمن، دار الدبغ…) ومناطق شاهدة على فن الملحون وعيساوة وأهل التوات، نذكر: قصبة هدراش، روامزين، قبة السوق، ووجه عروس وبني محمد… إضافة إلى منطقة زرهون تحديدا “وليلي” التي تبعد على زرهون بثلاث كيلوميترات، هاته الأخيرة ببعدها التاريخي والسياحي تمنح مكناس ميزة متفردة، تزيد تَفَرُّدَها بمناطق فلاحية جعلتها تشتهر بمدينة الخضراوات والفواكه على اختلاف أصنافها وأنواعها، إضافة إلى توفرها على مطار عسكري مهم، يعطي للمدينة رونقا انضباطيا يعكس معنى إسم _مكناس_ والتي تعني “المقاتل أو المحارب”، علاوة على توفرها على منتزهات كانت شهيرة بالمملكة كحديقة الحبول التي تعتبر واجهة لاستجمام لكل من ساكنتها وزائريها.
لقد ظلت مكناس إلى حدود الأمس القريب مدينة عذراء، قبل أن تمسسها عدوى سوء التدبير المحلي، وتطالها أيادي السياسات المرتعشة، وتقع تحت قبضة لوبي التخريب والفساد الإداري، لتتحول من مكناس الثقافة والتاريخ والحضارة إلى مكناس الإقصاء والتهميش والبطالة، ومن عاصمة البانوراما والجماليات إلى مرتع الفوضى والعشوائيات، زهاء انتشار العديد من الظواهر السلبية الدخلية على المجتمع المكناسي الموسوم في أغلبيته بالذوق الفني والجمال والأناقة والبساطة. ظواهر سلبية دخيلة تجلت في التدبير العشوائي الذي أثَّرَ على البنية التَأْثِيثِيَّةِ للمدينة سياسيا وجمعويا ورياضيا وكذا ثقافيا وفنيا وإعلاميا. فلا طالما اعْتُبِرَتِ المدينة أنظف وأجمل وأبهى المدن المغربية، الشيء الذي جعلها تحظى بانتباه منظمة اليونسكو كما أشرنا سلفا، أيضا تفشي سلوكيات من شأنها تقليص نسبة السياحة من جهة والاساءة إلى مظهر المدينة من جهة ثانية، كاستلاء الباعة المتجولين على الأرصفة، مع احتلال أجزاء واسعة من هذه الأخيرة من لدن أرباب المقاهي وأصحاب المتاجر مقابل صمت مطبق من طرف المسؤولين، فتقلص نسبة السياحة بالمدينة سببها أيضا تعرض السياح لمضايقات بسبب أفعال أصحاب المطامع الضيقة، حيت أصبح الزوار يفضلون المدن المجاورة، أو الحواضر الساحلية الشمالية بدل مكناس التي امتلأت أبرز شوارعها وأروقتها التراثية بالأشغال ولوجيستيكات مبررة ذلك بإعادة الترميم والتهييئ، إضافة إلى طرقات تَتنَمَّلُ بالمتسولين والمتشردين.
في ذات السياق توجد أحياء تحولت إلى أوكار للسرقة والاعتداء في وضح النهار، ناهيك عن الليل بسب انعدام الإنارة العمومية بشوارع عديدة بالمدينة، الشيء الذي يضاعف من مجهودات دوريات الأمن التي تكثف مجموعتها سواء لمطاردة المنحرفين والمبحوث عنهم أو لتفكيك بؤرات بيع وتعاطي المخدرات… من جهة أخرى غياب شبه تام لدور هيئات مسؤولة على توفير وسائل نقل مجهزة كيفا وكما، كذلك نقص في عمال النظافة الذين بدورهم يعانون من عدم الحد من أزمة الأزبال التي تشوه أزقة المدينة وتلطخ صورة منتخبيها.
من جهته المجتمع المدني المتمثل في الجمعيات المهتمة بالشأن المحلي تتحمل مسؤولية أن أصبح شعار مكناس (المدينة التي ماضيها أفضل من حاضرها) بسبب ضعف نية الانخراط الجاد في تنمية المدينة وإعادة إشعاعها وعبرها إشعاع “الكوديم” بالتعاون مع الجهات المسؤولة ووضع المصلحة العليا للمدينة ورهاناتها الكبرى في المقدمة عوض مطامع ومصالح ضيقة.
فرغم استياء المكناسيين من ما آلت إليه مدينتهم لدرجة هجرة بعضهم منها، إلا أن أصلهم الطيب وهويتهم الأبية تجعلهم يعبرون عن انتمائهم وعشقهم سِرّاً وعقلانية، آملين في إعادة مجد المدينة إلى مهد تاريخها وثقافتها، كي تغدو مجددا رمزا للحضارة وعاصمة للثقافة.
ختاما، فإن أبرز ما يدل على أن مكناس والمكناسيين أوفياء لمنطقتهم قلبا وقالبا، هو تشبثهم بقيمهم وتقاليد وطقوس مدينتهم في الأقراح قبل الأفراح، رغم بروز أشكال احتفالية جديدة تطورت مع تطور الوسائل والإمكانيات والعادات في مجتمعات عدة، وهذا إن دل فإنه يدل على ساكنة أصيلة تعمل على بناء صرح نموذجي للمدينة، والحفاظ على هوية أيقونة المدن، مدينة الملوك، عاصمة الملحون والحلقة والفن المآثر والتراث.
هذه هي مكناسة الزيتون، مكناس التناقضات المثيرة، ومكناس الثقافات والتقاليد الأصيلة.