أخبار عاجلة

عالم على حافة التغيير: هل يعاد تشكيل الخريطة الجيوسياسية بين أمريكا، أوروبا وروسيا؟

عالم على حافة التغيير: هل يعاد تشكيل الخريطة الجيوسياسية بين أمريكا، أوروبا وروسيا؟

الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: زكية العروسي

يشهد العالم اليوم واحدة من أكثر الفترات اضطرابا في تاريخه الحديث، حيث تتشابك المصالح السياسية والعسكرية بين الولايات المتحدة، أوروبا وروسيا، في ظل تداعيات الحرب في أوكرانيا. ومع تصاعد التوترات بين روسيا والغرب، تبرز تساؤلات جديدة حول مستقبل الأمن الأوروبي، ومدى اعتماد القارة العجوز على الحماية الأمريكية. وفي هذا السياق، يُطرح مفهوم “المظلة النووية” الفرنسية والبريطانية كخيار بديل لتعزيز الاستقلالية الدفاعية الأوروبية.
لكن هل تستطيع أوروبا الاعتماد على نفسها أم أنها ستظل رهينة للتجاذبات بين واشنطن وموسكو؟ كما يقول المثل الشعبي: “اللي ما عنده كبير يشتري له كبير”، وهكذا كانت أوروبا تعتمد لعقود على القوة الأمريكية، ولكنها تجد نفسها اليوم مضطرة للبحث عن بدائل.

منذ الحرب العالمية الثانية، كانت الولايات المتحدة بمثابة “المظلة” التي تحتمي بها أوروبا، خاصة عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو). لكن مع تهديدات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالتخلي عن حلفائه الأوروبيين، وجدت أوروبا نفسها في موقف حرج، تماما “اللي يخاف من العفريت يطلع له”، إذ أن الخوف الأوروبي من فقدان الدعم الأمريكي أصبح واقعا يهدد أمنها.
هذا المأزق دفع ألمانيا إلى التفكير في بدائل، من بينها توسيع المظلة النووية الفرنسية والبريطانية لتشمل أوروبا بأكملها. ولكن كما يقول المثل: “المركب اللي فيها زوج ريوس تغرق”، فإن تنسيق دفاعي أوروبي موحد بين دول ذات مصالح واستراتيجيات مختلفة ليس بالأمر السهل، خاصة مع القيود القانونية واللوجستية التي تحول دون مشاركة الأسلحة النووية بين الدول.

أوروبا تجد نفسها بين مطرقة التهديدات الروسية وسندان عدم اليقين في موقف الولايات المتحدة. فإذا قررت الاستقلال عن المظلة الأمريكية، فهي تخاطر بإغضاب واشنطن، وإذا واصلت الاعتماد عليها، فإنها تظل رهينة تقلبات السياسة الأمريكية. وكما يقول المثل: “يد واحدة لا تصفق”، فإن أي تحرك أوروبي يحتاج إلى دعم جماعي وليس مجرد مبادرات فردية من فرنسا أو ألمانيا.
من ناحية أخرى، تراقب موسكو أي تحركات أوروبية بقلق، إذ ترى أن أي تعزيز للقدرات العسكرية الأوروبية يشكل تهديدا مباشرا لها، كما حدث مع توسع الناتو الذي استخدمه بوتين ذريعة لغزو أوكرانيا “إذا كان جارك بخير، فأنت بخير”، حيث أن أي تصعيد مع روسيا قد يؤدي إلى نتائج كارثية على الأمن الأوروبي. فهل يمكن لأوروبا أن تستقل بنفسها؟

رغم امتلاك فرنسا وبريطانيا ترسانات نووية قوية، إلا أن هناك تحديات كبيرة أمام تحويلهما إلى بديل حقيقي للردع الأمريكي:

-غياب الردع التدريجي: تمتلك الولايات المتحدة أسلحة نووية تكتيكية منخفضة القوة، يمكن استخدامها كتحذير. في المقابل، الأسلحة النووية الفرنسية والبريطانية أقوى بكثير، مما يجعل استخدامها محفوفًا بالمخاطر، حيث لا يمكن اللجوء إليها إلا في حالة حرب شاملة.

-القيود القانونية: وفقًا للقانون الدولي، لا يمكن لفرنسا “تقاسم” سلاحها النووي مع دول أخرى، مما يحد من فعالية أي مبادرة أوروبية مشتركة.

-نقص الإمكانيات العسكرية: رغم امتلاك فرنسا قوات عسكرية قوية، إلا أن قدراتها لا تقارن بالقوة الهائلة للولايات المتحدة.
وهنا ينطبق المثل: “ما حك جلدك مثل ظفرك”، فأوروبا لا يمكنها الاعتماد إلى الأبد على الآخرين لحمايتها، بل يجب أن تبني قدراتها الدفاعية بنفسها.

بدلا من الدخول في صراع قانوني وسياسي حول المظلة النووية، قد يكون الحل الأكثر واقعية لأوروبا هو تعزيز دفاعاتها التقليدية. فكما أشار المحلل العسكري ميشيل غويا، فإن نشر قوات عسكرية أوروبية قوية على الحدود مع روسيا، كما يحدث في إستونيا ورومانيا، قد يكون أكثر فاعلية في ردع أي هجوم محتمل.
كما أن هناك خيارا آخر يتمثل في تبني نموذج مشابه للناتو، حيث يمكن نشر صواريخ نووية فرنسية في دول مثل بولندا، لكن مع نظام “المفتاح المزدوج”، أي أن استخدامها لا يتم إلا بموافقة باريس. ورغم أن هذا الخيار قد يثير استياء روسيا، إلا أنه يظل أقل استفزازًا من إعلان أوروبا قوة نووية مستقلة.
وبهذا، فإن أوروبا قد تتبنى استراتيجية أكثر توازنًا، تجمع بين الردع النووي وتعزيز القوات التقليدية، مما يجعلها أكثر قدرة على مواجهة التهديدات. كما يقول المثل: “الضربة اللي ما تكسرك تقويك”، وربما تكون هذه الأزمة هي ما يدفع أوروبا لبناء قوة دفاعية حقيقية ومستقلة.

الصراع الجيوسياسي بين الولايات المتحدة، أوروبا، وروسيا ليس مجرد خلاف دبلوماسي، بل هو إعادة تشكيل كاملة لخريطة النفوذ في العالم. ومع استمرار الحرب في أوكرانيا، وتزايد الغموض حول موقف الولايات المتحدة من التزاماتها الأمنية، تجد أوروبا نفسها في وضع غير مسبوق، يتطلب منها اتخاذ قرارات مصيرية.
لكن كما يقول المثل: “من يأكل العصا ليس كمن يعدها”، فأوكرانيا تدفع الثمن الأكبر في هذا الصراع، بينما القوى العظمى تحسب مكاسبها وخسائرها. فهل ستتمكن أوروبا من اتخاذ خطوات جريئة نحو الاستقلال العسكري، أم أنها ستظل عالقة بين مطرقة واشنطن وسندان موسكو؟ الأيام القادمة وحدها ستكشف عن الإجابة.

شاهد أيضاً

هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة ، إيران واسرائيل

هل نحن على أعتاب حرب عالمية ثالثة ، إيران واسرائيل الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- الدكتور …

إيران واسرائيل حرب مفتوحة

إيران واسرائيل حرب مفتوحة الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: الدكتور محمد العبادي تشهد المنطقة اليوم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *