“خيانة” سلسلة قصص من وحي الواقع للكاتب “حميد لحرايشي
الشاملة بريس: الكاتب- لحرايشي حميد
ترقبوا كل أسبوع سلسلة قصص من وحي الواقع للكاتب “حميد لحرايشي” على جريدة الشاملة بريس (04)
عاد أحمد من سفره ،بعد غياب طال أزيد من أسبوعين ،الساعة الثانية صباحا ، البدر في السماء ينير الأرجاء ،الناس نيام ،فتح باب المنزل بهدوء تام حتى لا يقض مضجع أخيه وزوجته ،كان يسكن في الطابق العلوي ،صعد السلم على رؤوس أصابع قدميه كما لو كان سارقا ،وصل إلى شقته ،طرق الباب ،ثلاث طرقات بإيقاع تعرفه زوجته ،انتظر قليلا ،،سعاد لا تجيب ،صمت رهيب يعم المكان ،عاود طرق الباب بنفس الطريقة وانتظر ،لم يسمع شيئا ،أعاد الطرق ،من دون جدوى ،لم يكن معه المفتاح ،الباب مغلق ،زوجته لا تحب أن يباغتها ،فهي تخاف حتى من صوت القط إذا كانت شاردة الذهن أو منهمكة في شغل البيت ،أوجس في نفسه خيفة ،ثم طرق الباب ،هذه المرة ،بقوة ،متجاوزا كل القواعد والأعراف ،وهو ،يصيح سعاد ،سعاد ،سعاد ،استيقظ أخوه مصطفى ،،ناداه :”ما بك أحمد ؟”عدت الآن من السفر ،سعاد لا تجيبني ،لا ادري ما بها .وليس لدي مفتاح “. لحق به أخوه وشاركه طرق الباب والصياح .لم ترد سعاد .سأل مصطفى عنها زوجته فاطمة التي أفاقها الضجيج ،قالت:” إنها خرجت بعد صلاة الظهر .قالت أنها ستزور والديها “.قال مصطفى :”أنا أيضا لم أرها منذ أن عدت قبل أمس من السفر ” استغرب أحمد ،زوجته لا تذهب إلى أي مكان دون إذنه ولم يسبق لها أن فعلت ،فلما هذه المرة ؟ ،شيء ما في الأمر ،بدأت وساوس الشيطان تلعب بمخه ،غضب أحمد وانتفخت أوداجه وقلق ،في نفس الوقت على زوجته ،تنهد بقوة وقال في نفسه :”أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، زوجتي شريفة عفيفة “،استدار نحو السلم وهم بالنزول ،عرف مصطفى أنه سيلتحق بزوجته ،أخذ بذراعه :”يا أخي الوقت متأخر جدا ،كما يقولون الصباح رباح ،ولو كان في الأمر ما يستدعي حضورك معها لأعلمتنا بذلك ،نم عندنا هذه الليلة واذهب عندها في الصباح ” ،جلس أحمد على عتبة الباب ،ووضع رأسه بين كفيه ومرفقيه على ركبتيه :”أين أنت يا سعاد ؟أين أنت ؟ّ ّ…” رفض المبيت في بيت أخيه ،قرر كسر الباب ،أوقفه أخوه :” يا أخي ألم تسمع ما قالته فاطمة ،لقد ذهبت لتزور والديها ،لما هذه العجلة ؟نم قليلا أنت متعب بالسفر ،ليس بيننا وطلوع الشمس إلا القليل ،اصبر إن الله مع الصابرين ” نزل إلى أسفل السلم ،سحبه أخوه إلى شقته ،وأدخله غرفة خاصة بالضيوف ،كان أحمد يعرفها كما يعرف نفسه ،لقد نشأ فيها وترعرع ،إنه يعرف كل شبر في هذا المنزل ،تمدد على الفراش وحاول أن يغمض عينيه ،لم يطاوعه النوم ،تقلب ذات اليمين وذات الشمال ،وفكره يجول في كل الاتجاهات بحثا عن زوجته .يحبها كثيرا ،هي كل شيء له في الدنيا ،لم تخذله يوما ،
لم ينتظر كثيرا ولم يهدأ له بال ،تسلل إلى باب الشقة ،فتحه ،خرج ثم أغلقه بهدوء ،
وصل إلى موقف السيارات ركب سيارته ،من دون إشعار الحارس .أدار المحرك وانطلق ، وصل إلى مدينة وزان قبيل صلاة الصبح ،تسلق الطريق إلى الحي الجبلي حيث تسكن عائلة زوجته ،وصل وأنفاسه تكاد تتوقف من فرط الإعياء والتفكير ،كان المنزل محاطا بسياج تلفه بعض النباتات ،وتتدلى فوقه أغصان الأشجار ،رأى نافذة الحمام مضاءة ،فعرف ان الحاج عبد السلام والد زوجته يستعد للخروج كعادته لصلاة الصبح في المسجد .اقترب من الباب ،فاجأه الكلب بالنباح .أطل الحاج عبد السلام من النافذة :”من هناك ؟” ،”أنا احمد يا عمي زوج سعاد ابنتك “استغرب الحاج عبد السلام مجيء أحمد في هذا الوقت المبكر ،:”اللهم اجعله خيرا ” ثم فتح الباب ،مد يده ليصافح احمد :”عمي ، سعاد هنا ؟” .نطر إليه الحاج عبد السلام محملقا ،ّأليست معك يا بني بمكناس؟” ،”لا عمي ،رجعت هذه الليلة من الدار البيضاء ،ولم أجدها وقٌد أخبرتني زوجة أخي أنها جاءت لزيارتكم ،أجاب الحاج عبد السلام :” ،لم تأت إلى هنا يا بني ” .
ارتفع توتر أحمد ،وتفاقم شيئا فشيئا ،طلب منه الحاج عبد السلام الجلوس في بهو الدار ،جلس برهة ثم وقف :”عمي عب السلام سأعود الآن إلى مكناس ” ،بادره الحاج عبد السلام بالسؤال :”هل تشاجرت معها يا بني ؟” لا يا عمي ،أنا وسعاد والحمد لله ليس بيننا خلافات ” .
ألح الحاج عبد السلام على احمد ان ينتظره حتى يصلي الصبح ليرافقه فوافق .
أنهى الحاج عبد السلام صلاته في بيته ،أخبر زوجته أنه سيذهب مع أحمد من دون ان يبوح لها بالموضوع ،كان أحمد يقود السيارة بسرعة فائقة ،وكان الحاج عبد السلام يتوسل إليه ليقلل منها عند كل منعرج حتى لا تنقلب السيارة :”يا بني تريث ،لا تعقد الأمور أكثر ،سيكون خيرا إن شاء الله “لا يرد أحمد بشيء ،ولكن حركاته تفضح توتره الشديد .وصلا إلى مكناس ،صعدا إلى الشقة كسر الباب تحسبا ان يكون قد وقع لها مكروه بالداخل ،لم يجدها ،وجد كل ثيابها في الغرفة ،حتى الأحذية التي تنتعلها للخروج كلها في البيت ،قال للحاج عبد السلام :”كيف تخرج من دون جلباب أو حذاء ،يستحيل ان يحصل هذا ” نزل عند فاطمة زوجة أخيه ليتأكد أنها رأتها وهي تخرج ،إجابته بالإيجاب ،سألها :”ماذا كانت ترتدي عندما خرجت ؟ ” أجابت :”ذهبت بالجلباب الأزرق ” نظر إليها احمد بدهشة يلفها الاستفهام :”ولكن جلبابها الأزرق في البيت ،تلعثمت فاطمة في الاستدراك :”لا ،أنا أعطيتها جلبابي الأزرق ” ،” جميع أحذيتها أيضا في البيت ” ،”نعم نعم ،أعطيتها حتى الحذاء “شك أحمد في أن فاطمة تخفي عنه شيئا ولكنه اخفي شكه .
بحث أحمد عن زوجته سعاد في جميع الأماكن المحتمل ذهابها إليها ،ثم اخبر الشرطة عن اختفائها .نزل عليه ضابط الشرطة بوابل من الأسئلة حتى ظن احمد نفسه متهما باختطاف زوجته ،التزم عدم التعليق ،واكتفى بالأجوبة ،توقف الضابط عن استجوابه ،وطلب منه الانتظار بالمكتب .
عاد الضابط مع ثلاثة من زملائه ،وطلبوا من أحمد مرافقتهم إلى بيته ،وصلوا إلى البيت ،استجوبوا أخا أحمد وزوجته والحاج عبد السلام الذي بللت دموعه لحيته ، تفحص فريق الشرطة جميع أماكن المنزل شبرا شبرا ،كان المنزل محاطا بحديقة كبيرة جدا تشبه ضيعة صغيرة ،جزء كبير منها مغطى بحشائش كثيفة يابسة ،لم يجدوا دليلا واضحا يؤكد اختطاف سعاد أو قتلها ،خرج الضابط وزملاؤه من المنزل وطلبوا من الجميع عدم مغادرة البيت ،في طريق العودة إلى المخفر أبدى كل منهم ملاحظاته واتفقوا جميعهم على تلعثم فاطمة وارتجافها أثناء الاستجواب ،مالوا جميعهم جهة براءتها ، فبعض الناس يخافون من رجال الأمن مع أنهم أبرياء ربما فاطمة منهم ، ومع ذلك أكد الضابط على أنها ستكون غدا نقطة انطلاق البحث في القضية ،
في صباح اليوم الثاني ،استفاق أحمد ومن معه في البيت على طرق الباب ،هرع أحمد ونزل السلم ثلاث درجات أو أربع في كل خطوة حتى كاد يسقط ،كان متلهفا لفتح الباب ظن زوجته الطارقة ،فتح الباب ،وجد نفسه إمام الضابط ورفاقه ،:”صباح الخير أحمد ،هل من خبر عن زوجتك ؟ّ” ،أجاب أحمد مصدوما وخيبة الأمل تلف وجهه:”لا سيدي ” كان مصطفى واقفا بالباب ،طلب منه الضابط إحضار زوجته ،هذه المرة الخوف باد عليها ،سألها الضابط :”ما بك ترتجفين ؟،أتعرفين شيئا عن سعاد وتخفينه ؟” ،لا سيدي ،لا أعرف غير ما صرحت به لكم ” ،”قلت لنا أنك أعطيت جلبابك وحذاءك لسعاد ،ولكن زوجك مصطفى لا يعلم أن لك جلبابا أزرقا ” ،”أنا اشتريته من دون علمه ولم أخبره به ” ،”زوجك أخبرنا أنه لم يرها يومين قبل اختفائها ،وأنت أخبرت احمد أنها ذهبت لزيارة أبويها في نفس اليوم الذي عاد فيه أحمد من السفر ” ،”سيدي أحيانا تمر أيام لا يراها زوجي فيها .”،”حسنا حسنا سنرى” .
أمر الضابط زملاءه بإعادة البحث ،ولكن هذه المرة في الحديقة ،بدأ الفريق البحث متفرقين في أرجائها حتى وصلوا إلى منطقة تغطيها أعشاب طويلة ويابسة ،يبدو ان أحدا لم يقترب منها ،سأل الضابط أحمد :”هل وراء هذه الأعشاب شيء قد يفيدنا في البحث ؟ّ” ،”لا أعرف سيدي ،هناك فقط بئر قديمة جافة لم نعد نستعملها منذ سنين خلت ” ،هل أغلقتموها بالتراب أو الإسمنت ؟” ،”لا ،لها غطاء من حديد وضعنا فوقه ركاما من أحجار وتركناها ” .أشار احمد ألى مكان البئر ،تقدم الضابط ،وطلب منه ومن أخيه البقاء في مكانهما حتى عودته .
لاحظ الضابط أعشابا مكسرة ،تتبعها حتى أوصلته إلى البئر .وجد البئر كما وصفها أحمد ،كومة كبيرة من حجر ،دقق النظر في كل شيء ودون جميع ملاحظاته ،لم يشك في أن البئر قد فتحت ،فالحشائش تغطي الأحجار ،ولكن من كسر الأعشاب في طريق البئر ؟يبقى الجواب ربما عند أهل البيت ،لكنهم أنكروا جميعهم ذهابهم إلى هناك.
غادر الضابط وفريقه منزل أحمد ،ناقشوا كل تفاصيل القضية ،لم يجدوا شيئا مريبا عدا الأعشاب المكسورة التي شك الضابط أنها آثار أقدام ،وصلوا إلى المخفر وتفرقوا كل إلى مكتبه ،بقي الضابط مشغولا بالقضية يفكر في مضامينها ،اتكأ على كرسيه ،رفع رأسه إلى السماء يلتمس منها حلا ،فجأة وقف كما لو وخزه مسمار في الكرسي :”ربما وجدت حل القضية ،ربما ،ربما …”استدعى فريقه ،وأخبرهم :” حبل البئر مربوط بذراع من حديد وقد لاحظت اعوجاجا خفيفا بهذه الذراع ،ربما تحمل شيئا ثقيلا ،يستحيل أن تعوج بفعل ثقل الدلو وحده ” .عادوا من جديد إلى منزل أحمد ،ولكن هذه المرة بفريق أكبر ،أمر الضابط بعض أعضاء الفريق بحراسة مدخل المنزل وألا يتركوا أحدا يخرج ،ثم توجه مباشرة إلى البئر وأمر بإزاحة الأحجار عنه ،كشفوا الغطاء ،وحاولوا سحب الحبل ،كان أثقل من أن يكون دلوا تعاونوا و،سحبوه ،في نهايته وجدوا سعاد مطوقة ومكممة الفم ،وضعوها برفق على الأرض ، رأسها ملطخ بدم جاف ،كانت جثة هامدة ،فكوا وثاقها ،تحسسها الضابط :”إنها لا تزال على قيد الحياة ،لحسن حظها أن الجزء الذي ربطت به من الحبل نقص من طوله ،فبقيت معلقة ولم ترتطم يقعر البئر “.أمر وكيل الملك بوضع جميع أفراد المنزل تحت المراقبة إلى حين فك طلاسم القضية ،ونقلت سعاد إلى المستشفى .
بعد ثلاثة أيام استرجعت سعاد وعيها وأخبرت الشرطة أن فاطمة هي من حاولت قتلها .”لقد استدرجتني إلى البئر ،بعدما أخبرتها أنني أعلم بخيانتها لزوجها وحذرتها أنني سأعلمه إن لم تكف عن خيانته ،وفي اليوم الذي ألقتني في البئر رأيتها تودع عشيقها ،خافت من ان أخبر زوجها فحاولت قتلي “
ألقي القبض على فاطمة ،وأحضر عشيقها واعترفت بعد التحقيق بما نسب إليها من الجرائم وصرحت ان عشيقها لم يكن على علم بالجريمة ،قضت المحكمة حضوريا بسجن العشيق بسنتين نافذتين و بعشرين سنة سجنا نافذة في حق فاطمة .