الهجرة: درس ضرورة ملحة لخلق فرص عمل ودمج الشباب المغربي في بناء المستقبل
الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا– إعداد: بدر شاشا
هجرة الشباب المغربي أصبحت ظاهرة ملحوظة في العقود الأخيرة تعكس حجم التحديات التي يواجهها الشباب داخل الوطن ورغبتهم في البحث عن فرص عمل ومستقبل أفضل خارج البلاد. هذه الظاهرة تحمل في طياتها قضايا معقدة، وتستلزم النظر إليها بعمق لفهم الأسباب والحلول الممكنة. فالشباب المغربي، الذين يعتبرون العمود الفقري لأي مجتمع، لا يجدون الدعم الكافي ولا البيئة المناسبة لتحقيق طموحاتهم. والحديث عن الهجرة يوم 15 درس يشير إلى ضرورة الوقوف عند هذا المنعطف وفهم الدروس التي يقدمها لنا واقع الهجرة.
أولى هذه الدروس أن الشباب هو الثروة الحقيقية لأي بلد. في بلد مثل المغرب الذي يتميز بموارده الطبيعية المحدودة، فإن الاستثمار في الإنسان، وبخاصة في الشباب، هو الحل الأنجع لتحقيق التنمية والازدهار. هذه الفئة الواسعة من المجتمع لا تبحث فقط عن فرص عمل، بل تبحث عن الإحساس بالانتماء والدعم والمساهمة في بناء مجتمعهم. عندما يغيب هذا الدعم، وعندما لا يجد الشباب من يحتضن طموحاتهم وآمالهم، تصبح الهجرة إلى الخارج الخيار الأكثر جاذبية. وهنا يظهر السؤال الملح: هل نحن على استعداد لخسارة هذه الطاقات الشابة؟ هل نستطيع تحمل تبعات هجرة عقولنا وشبابنا؟
الواقع يفرض علينا التفكير في حلول ملموسة. الاستثمار في الشباب ليس مجرد شعار يتم تداوله في المناسبات الرسمية، بل هو حاجة ملحة لخلق بيئة جاذبة داخل الوطن. كيف يمكننا خلق فرص عمل جيدة للشباب؟ الإجابة تكمن في التعليم الجيد الذي يلبي احتياجات سوق العمل، في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وفي فتح مجالات جديدة للاستثمار تمكن الشباب من تحقيق ذواتهم داخل وطنهم. لا يمكننا الحديث عن التنمية الاقتصادية دون أن نضع الشباب في قلب هذا المشروع. فالشاب الذي يشعر بأنه مدمج في العملية الاقتصادية، والذي يجد الفرصة لإظهار مهاراته وقدراته، سيكون بالتأكيد أكثر تمسكًا بوطنه وأقل ميلًا للبحث عن الفرص في الخارج.
الاندماج ليس فقط في سوق العمل، بل أيضًا في الحياة الاجتماعية والسياسية. يجب أن يشعر الشباب بأنهم جزء من القرار، وأن أصواتهم مسموعة ومؤثرة. هنا يأتي دور الدولة والمؤسسات في توفير الآليات التي تمكن الشباب من المشاركة الفعالة في إدارة شؤون بلادهم. الإحساس بأنك جزء من الوطن وأن لديك دورًا تؤديه هو أحد العوامل التي تجعل الشباب يتشبثون بأرضهم ويرفضون الرحيل إلى المجهول.
كما أن دعم الشباب ليس مجرد تقديم مساعدات مادية أو خلق فرص عمل فقط، بل هو أكبر من ذلك بكثير. الدعم يعني توفير بنية تحتية حديثة، تعليم بجودة عالية، بيئة قانونية تحمي حقوقهم وتشجع على الابتكار والإبداع. في كثير من الأحيان، يجد الشباب الذين يهاجرون أن بيئة العمل في الخارج لا تختلف كثيرًا عن تلك الموجودة في بلادهم من حيث الراتب أو الظروف، ولكن الفارق يكمن في البيئة العامة، في احترام حقوقهم، في التقدير الذي يشعرون به. وهذا ما يجب أن نركز عليه: الإحساس بالتقدير.
أما الاستثمار في الشباب، فهو الاستثمار الأكثر ربحية على المدى الطويل. عندما يستثمر الوطن في شبابه، فإنه يستثمر في المستقبل. شاب يتمتع بتعليم جيد، وفرص عمل جيدة، ودعم مجتمعي سيكون بالتأكيد شابًا قادرًا على الإبداع، على الابتكار، على المساهمة في رفاهية مجتمعه. هنا يكمن الفارق بين مجتمع يعيش في رخاء واستقرار ومجتمع يفتقد إلى الطاقات ويعاني من هجرة شبابه. لذلك يجب أن تكون سياساتنا موجهة نحو هذا الهدف: الاستثمار في الشباب، دعمهم، وتشجيعهم على البقاء داخل وطنهم والمساهمة في بناءه.
إدماج الشباب في العملية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هو السبيل الوحيد لتحقيق الاستقرار والنمو. يجب أن نرى في كل شاب مغربي فرصة لتحقيق النجاح والتقدم. يجب أن نفهم أن كل شاب يفكر في الهجرة هو خسارة للوطن، خسارة لموهبة كان بإمكانها أن تساهم في رفعة البلاد. نحن لا نملك ترف التفريط في شبابنا، ولا نملك رفاهية أن نتركهم يبحثون عن أحلامهم في بلدان أخرى.
علينا أن نتعلم من الدروس التي يقدمها لنا واقع الهجرة. علينا أن ندرك أن التغيير يبدأ من الداخل، وأن الحل ليس في البحث عن فرص خارجية بل في خلق تلك الفرص داخل الوطن. دعم الشباب، توفير الفرص، والاستثمار في طاقاتهم هو الحل الوحيد لمنع نزيف الهجرة. وعندما نقول دعم الشباب، فإننا نعني الدعم بكل معانيه: دعم مادي، دعم نفسي، دعم اجتماعي، ودعم سياسي.