رحلتي من الأمن إلى الصحافة فالتعليم
الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: زايد الرفاعي / المغرب 
[مهما جاع النمر فهو لا يأكل العشب]
عندما نجحت في سلك “البوليس” كمفتش شرطة، فكرت مليا واستشرت مع من يفوقني خبرة وحكمة، في الأخير اتخدت مساحة من الزمن للغوص في عاصفة من الأفكار حتى لا أتخذ قرارا بطعم المجازفة.
حقيقة؛ (مجال البوليس والعسكر عامة) كان يراودني منذ صغري، كيف لا..؟ وأنا من الجيل الذي تربى واندمج وجدانيا وروحانيا مع الفيلم الكارتوني “المحقق كونان”، ومسلسلات من قبيل “لاپريگاد.. والأوفيسيي حجامي”… وبين هذا وذاك، كنت ألمح منذ نعومة بصري، في دولاب منزلنا زياًّ عسكريا مهابا مُرصَّعا بجمالية الوقار.
بعد تسونامي التفكير؛ قررت عدم المجازفة أو المجازفة لا أدري؟ والتضحية بحلمي الذي طالما راودني كما راود عددا من مراهقي الوطن.
وكي أكون حقيقيا، والحقيقة هنا أبلغ من المجاز، تضحيتي يا رفاق كانت من أجل أبي.
أبي؛ الذي كان حلمه أن يصير صحفيا، وصوتا من أصوات الوطن وقلما من أقلام صاحبة الجلالة، لكن؛ شاءت الأقدار أن يصير جنديا وحارسا من حراس الوطن.
في وطني؛ الأقوياء، الصادقون والأوفياء… يحملون بندقية شرفا لهم من حمل قلم وكاميرا رقمية..!!
قررت أن أحقق حلم أبي، وأن أصير صحفيا.. والدي كان عقيدتي، فطاوعني الإيمان ونجحت في ماستر الصحافة والإعلام، وصار تحقيق الحلم قاب قوسين أو أدنى..
قبل التخرج بشهور خطفت المقابر أبي، فرحل عني ومني وإلي.. رحل العزيز المهاب، والسند والأمل… فرحل معه الحلم ورحلت جميل الأشياء.
في يوم التخرج؛ الكل حضر ليشاركني فرحتي الغائبة، ويبارك نجاحي الأجوف.. ما عادا أبي لم يحضر؛ لأن صورة كانت تحاصره، وإطارا يمنعه.!!
صحيح أن الوالد مات.
لكن؛ أبي إيمان وعقيدة، وفي عقيدتي الآباء لا يموتون، هم فقط يرحلون..!!
بعد الرحيل؛ مات الحلم.. مات أملي العاقل، مات طموحي الناضج، ماتت فطرتي الطفولية…
ورغم أنني أكرر دوما وأردد “الآباء لا يموتون، هم فقط يرحلون”…!
إلا أني لا أدري هل سأستطيع أن أستمر، أم أستطيع أن أستمر..؟؟
ربما من أجله أستطيع، ربما سأستمر وربما…!!
بإصرار وعزيمة؛ ولأنني كنت أكتب بقلبي لا بقلمي، في ظرف وجيز أنجزت موضوعات عديدة في معظم الأجناس الصحفية، رغم ميولي الشديد للصحافة السردية، والروبورتاج والتحقيق الصحفي.
في غسق مهنة المتاعب كنت أمشي واثق الخطوات بشغف ومتعة بين أروقة الجرائد _هنا مكناس وهناك الرباط_ ومنتصف جسر الحلم أصطدم بعراقيل، وألمح أساليب بئيسة ومساومات دنيئة، ناهيك عن قطط الموائد… علامات وإشارات ورموز جعلتني أعيد ترتيب الأوراق، والتمييز بين الحقيقة والواقع، والنظر إلى ما يستحق الصفر بعين الصفر!
ولأن حُلمي عنيد بلسع النار يلتئمُ؛ ساعفتني مشيئة القدر، فيتغير المسار بين لحظة وضحاها لأجدني عقلا ووجدانا في قلب فصل يغرد بأصوات وترانيم بريئة، أصوات مشاكسة وأخرى صادقة تناديني _أستاذا_ بعد احتضان عقولهم وقلوبهم، وجدتني عن طواعية ألبي نداء الفصل عن حب وبكل حب…
وجدت نفسي أضع بطاقة الصحافة بدرج دولاب منسي، أيضا؛ الكاميرا وإكسيسوارات التصوير والتسجيل أضعها بحقيبة قماشية أسفل الدرج..!!
مهنيا؛ صِرْتُ مُدرِّسا بنشاط وحيوية صحافي، وبكاريزما وصرامة شرطي.
هكذا. بين الحقيقة والواقع أكون حققت جزءا من طموحاتي الحالمة، وانتصرت على هزائمي المنتصرة.
كيف لا..؟ وأبي علمني أن أحقق أحلامي وأدعم أحلام من أحب، بعبارته العميقة “ما حق أن يولد من عاش لنفسه وفقط”.