غزة: شهر الطهارة يتحول إلى شهر التطهير العرقي
الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: المفكرة زكية لعروسي 
حين تبكي السماء وتُفتح أبواب الرحمة في ليالي رمضان، يُغلق العالم عينيه، حيث في شهر ُفترض أن تعمّ السكينة، وترفع الأيدي بالدعاء، تتحول سماء غزة إلى مسرح لجحيم متواصل. لا تضاء أنوار المساجد بطمأنينة العباد، بل تنيرها نيران القصف والغارات. صوت الأذان، الذي يفترض أن يكون نداء للرحمة، يختلط بأصوات الانفجارات، وكأن الحرب قررت أن تُلغي حتى قدسية الأشهر المباركة.
في كل عام، تستقبل الشعوب الإسلامية رمضان بفرح، تستعد له بالمحبة والعبادة، لكنه في غزة يأتي محملا بالموت. الصائمون هناك لا يبحثون عن إفطار دافئ، بل عن مكان آمن يقيهم نيران القصف. الأطفال لا ينتظرون فوانيسهم، بل يرتعدون كل ليلة خوفا من أن تكون الأخيرة. كيف يمكن لشهر الطهارة أن يتحول إلى شهر التطهير العرقي؟
إن ما يجري في غزة ليس مجرد “عملية عسكرية”، وليس “ردا أمنيا”، بل هو إبادة جماعية ممنهجة، يُقتل فيها الأطفال قبل أن يتمكنوا من نطق الشهادتين، وتهدم فيها البيوت فوق رؤوس أصحابها، ويُحوّل المستشفى إلى مقبرة لمرضاه. أمام هذا المشهد، لا يبقى لرمضان أي طعم، ولا يُترَك للصائمين أي خيار سوى الصبر أو الرحيل، لكن إلى أين؟
أي تبرير يمكن أن تقدمه دولة تزعم أنها قائمة على تعاليم دينية، بينما تسحق شعبا أعزل في شهر يفترض أنه شهر الرحمة؟ كيف يمكن لدولة تدّعي أنها “واحة الديمقراطية” أن تمارس حصارا أشبه ما يكون بحرب إبادة؟ هل أصبحت الأديان مجرد غطاء لتبرير الاحتلال والقتل، بدلا من أن تكون طريقا للسلام؟
إن الديانة التي يعتنقها هذا الكيان تدعو إلى الرحمة، لكن ما يمارس في غزة هو النقيض التام لكل معاني الرحمة. القتل بلا حساب، والدمار بلا تمييز، والوحشية بلا رادع. أي عقيدة سماوية تقبل أن يجاع شعب بالكامل، وتقصف مساجده، وتمحى أحياؤه من الوجود؟ أي شريعة هذه التي تسمح بقتل الأطفال وهم نيام، وتقصف العائلات وهم يتهيؤون للإفطار؟
إن ما يحدث في غزة ليس مجرد عدوان، بل اختبار للعالم بأسره. اختبارٌ للضمير الإنساني الذي يبدو أنه انهزم أمام المصالح السياسية. كل دولة تلتزم الصمت، وكل منظمة تتجاهل ما يحدث، وكل إعلام يحاول تجميل الجريمة، هو شريك في الجريمة.
لقد سقطت كل الأقنعة، وبقيت الحقيقة واضحة: هناك دولة ُمارس تطهيرا عرقيا أمام أعين الجميع، والعالم يكتفي بالمراقبة. لكن غزة، رغم الدمار، ستبقى صامدة، ستظل عنوانا للشرف العربي والإنساني، وستكتب بدماء شهدائها حقيقة لا يمكن إنكارها: أن الاحتلال مهما طال، فإن العدل سيعود، وأن من يقتل الأطفال لن ينعم أبدا بالأمان.
في رمضان، تفتح أبواب الرحمة، لكن يبدو أن بعض القلوب قد أغلقت إلى الأبد.