القهوة: فلسفة الوجود في فنجان صغير

القهوة: فلسفة الوجود في فنجان صغير

الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- بقلم: فاطمة الزهراء لهويبي

القهوة ليست مجرد شرابٍ داكنٍ يتسلل إلى أوردتنا في لحظات الصباح الأولى، بل هي انعكاسٌ لفلسفة أعمق، تلامس حدود الوجود نفسه. إنها أكثر من مجرد طقسٍ يومي؛ هي تأملٌ في البدايات، دعوةٌ للصمت، ونافذةٌ تطلّ على تأملات الروح.

الوجود في كل رشفة: في كل رشفةٍ من القهوة، ثمة اختزالٌ للكون في تفاصيل صغيرة. حبات البن، التي خاضت رحلةً طويلة من أعالي الجبال إلى ألسنة اللهب، تُذكرنا بأن الوجود سلسلةٌ من التحولات. إنها تشبه الإنسان، الذي يُصقل بالألم، ويُعجن بالتجارب، ثم يُسكب في قالبٍ جديد كل يوم.

القهوة تحكي لنا عن صبر الزمن. أليست كل قطرة من هذا السائل الداكن تحمل في طياتها قصة؟ قصة المطر الذي روى شجرة البن، قصة اليد التي جمعت حبوبها، وقصة النار التي أطلقت عطرها في الهواء. إنها تعلّمنا أن لكل شيءٍ وقتاً، ولكل نكهةٍ عمقاً يتطلب التأمل لفهمه.

السواد والجمال: السواد الذي يلف القهوة ليس سواداً محضاً، بل هو جمالٌ في أقصى درجاته. إنه سوادٌ مليء بالنور، سوادٌ يدعونا إلى البحث عن الجمال في التفاصيل البسيطة. القهوة تُظهر لنا أن الظلام ليس دائماً نهاية، بل قد يكون بدايةً لرحلة تأملية في أعماق الذات.

تماماً كما أن الليل هو الوقت الذي تلمع فيه النجوم، فإن القهوة تُثبت أن السواد يمكن أن يكون مليئاً بالحياة. إنها رمزٌ للتناقضات، تماماً كالحياة نفسها: مرةٌ وسلسة، ثقيلةٌ وخفيفة، معقدةٌ وبسيطة.

فلسفة الصمت : القهوة هي لغة الصمت، مشروب الفلاسفة الذين وجدوا في هدير الماء وصمت البخار حواراً لا يحتاج إلى كلمات. إنها لحظة تواصل بين الإنسان وذاته، وبين الحواس والروح.

عندما ترفع الفنجان إلى شفتيك، أنت لا تشرب القهوة فقط، بل تشرب اللحظة ذاتها. تشرب الصمت الذي يسبق الحديث، والأفكار التي لم تُصغ بعد، والأحلام التي لم تُروَ. إنها توقيعٌ على اتفاقيةٍ بينك وبين الزمن: “سأعيش اللحظة، ولو للحظة”.

الوقت والقهوة: القهوة ليست مستعجلة. إنها تفرض على من يشربها احترام الوقت. من لحظة غليان الماء إلى لحظة سكبها، هناك دعوة للتأمل، للتوقف عن الركض في دوامة الحياة. إنها تذكيرٌ بأن الزمن لا يُقاس بالدقائق والساعات، بل يُقاس بجودة اللحظات.

نهاية بلا نهاية: في فنجان القهوة، تجد فلسفة الحياة: المرارة التي تخلق التوازن، السواد الذي يضيء الفكر، والوقت الذي يصبح أثمن عندما يُعاش.

القهوة ليست مجرد شراب؛ إنها قصةٌ تُكتب كل يوم، دعوةٌ للبحث عن العمق في أبسط الأشياء، ونافذةٌ تفتح على عالمٍ لا حدود له. إنها الفلسفة التي تختصرها الكلمات: “عيش اللحظة، تأمل العمق، واشرب الحياة بكل مرارتها وحلاوتها”.

 

شاهد أيضاً

إدارة المكتب الوطني للكهرباء بمدينة سيدي سليمان…تحتقر المواطن وتتمرد على الدستور والقانون؟  

إدارة المكتب الوطني للكهرباء بمدينة سيدي سليمان…تحتقر المواطن وتتمرد على الدستور والقانون؟  الشاملة بريس بالمغرب …

معاناة حراس الأمن بمستشفى CHU طنجة: غياب الحقوق وتأخير الأجور

معاناة حراس الأمن بمستشفى CHU طنجة: غياب الحقوق وتأخير الأجور الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- إعداد: …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *