الشاملة بريس- إعــــداد : البخاري إدريس
إن اعتماد المقاربة التشاركية في البرامج التنموية الوطنية والمحلية، يعني بالضرورة مشاركة جميع المكونات في تحقيق التنمية، وبذلك فإن العمل المشترك الناتج عن اعتماد هاته الآلية، يسير نحو عبارة ” العمل مع” بدل عبارة ” العمل من أجل”، أي أن المقاربة التشاركية هي ذات طبيعة أفقية أساسا.
فالمقاربة التشاركية ترتكز على أساس سلوك ومواقف الممارس من خلال عمليات الاستماع والملاحظة، وتبادل وجهات النظر مع الساكنة وكذا في استعمال منهجية تهدف إلى تحويل المستفيد في العملية التنموية من المشاهد إلى المبادر، لذا فإن منظور الفني أو التقني الممارس للمقاربة وكذا تجربته وإمكاناته تعتبر مؤشرا أساسيا لمدى نجاح المقاربة التشاركية في أداء وظيفتها المنهجية.
كما ترتكز المقاربة التشاركية على إقامة حوار مستمر بين الساكنة المحلية والفاعلين التنمويين، مبني على الاحترام المتبادل وعلى الشراكة، وبهذا فإنها تتضمن سلسلة من المراحل المرتبة ترتيبا منطقيا بدء بعمليات التحسيس إلى التشخيص فالبرمجة والتخطيط. من هنا يمكن القول، إن المقاربة التشاركية هي مجموعة متسلسلة من الآليات المنهجية المستمرة، والتي تهدف إلى ضمان الشروط الأساسية للتنمية المحلية السوسيو-اقتصادية الشاملة والمستدامة.
ومن المؤسف أن استعمال المقاربة التشاركية مغربيا أصبح لأغراض تسويقية ودعائية، فلسنا في حاجة إلى نصوص قانونية ودستورية تعلن مفاهيم من قبيل “المقاربة التشاركية”، بل الحاجة أصبحت أكثر من ملحة في تفعيل حقيقي لمقتضيات هذه النصوص، سواء كانت فصول دستورية أو قوانين أو مراسيم، فإذا تأملنا الدستور المغربي الجديد لفاتح يوليوز2011، فسنجد أن هناك تنصيصا على تفعيل المقاربة التشاركية في الإعداد والتفعيل والتنفيذ والتقييم للسياسات العمومية، وهي أساس الديموقراطية التشاركية التي يؤصل لها، وتعتبر شكلا متقدما للديمقراطية وتجسيدا للمواطنة الحقة، كما أنها واقع تفرضه ظروف تطور المجتمع وتنوع حاجياته وتعقدها، لكن واقع الحال يعكس ذلك تماما، فمسلسل البرامج التنموية والمخططات التي تدبج كفيلة بإنتاج وتحقيق تنمية حقيقية، لكن هذا لا يمكن أن يتحقق ما لم يتم إشراك المواطن والفاعل المدني وجعله محور كل فعل تنموي.
صحيح أن المقاربة التشاركية ظهرت بعض تجلياتها قبل فاتح يوليوز 2011، إلا أنها محاولة محتشمة ومتواضعة داخل التجربة المغربية، على الرغم من وجود أرضية قانونية مهم، لكن بروزها كان له ارتباط بديناميتين: فهناك تزايد الطلب المجتمعي والمدني على المشاركة خصوصا على الصعيد المحلي من جهة، وهناك نزوع تشاوري وتشاركي لبعض السياسات العمومية، من قبيل الحوار الوطني لإعداد التراب الوطني، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والحوار حول الجهوية الموسعة، والحوار حول المجتمع المدني وما يطرحه من إشكالات حول القضايا الاجتماعية والحقوقية التنموية، من هنا إذن كانت الحاجة ملحة لظهور مقاربة تشاركية ترنو إلى إشراك كل الفاعلين في بلورة خطة تنموية ناجحة واستشرافية، وتجدر الإشارة هنا إلى أن المسؤولية ملقاة على عاتق الدولة بكل مؤسساتها من جهة باعتبارها هي الضامن لحقوق وحريات الأفراد كما ينص على ذلك الدستور المغربي، ثم هناك الأحزاب السياسة من جهة أخرى والتي ينبغي أن تساهم في تأطير المجتمع وتخليق الحياة السياسية، لا في تنفير الشعب من السياسة وهذا ما نجده مع كامل الأسف مغربيا، فأغلبية الأحزاب السياسية التي ينبغي أن تلعب أدوارا طلائعية ودفاعية وتنهم بهموم الشعب ومصيره باعتبارها ممثلة الشعب والمجتمع، نجدها تتسابق وتتصارع من أجل الظفر بحصتها من كعكة السلطة، فلم نعد نجدها تسهر على المصلحة العامة وتحقيق مطالب الشعب بالأساس، بل همها وهدفها هو تحقيق مصالحها الخاصة أولا وأخيرا، فضلا عن هذا ما نشاهده في قبة البرلمان المغربي من ممارسات صبيانية أصبحت تجتاح الحياة السياسية، ما يجعل المواطن المغربي يعزف عن السياسة ولا يقترب منها، فالنظام السياسي المغربي أشبه ما يكون برقعة “الشطرنج” فهناك تراتبيات طبقية، ففي قمة الهرم السياسي نجد من يتحكم ويحتكر جميع السلط (التشريعية والقضائية والتنفيذية) بالإضافة إلى السلطة الرابعة والمتمثلة أساسا في الإعلام، وهناك لوبيات وأشباح من الطبقة الرأسمالية المتوحشة الذين يستفيدون من الكعكة ويستثمرون في خيرات البلاد ويدوسون كرامة وحقوق العباد، وهنا أيضا بعض الأحزاب السياسية إن لم نقل جلهم المغلوب على أمرهم والذين لا ناقة لهم ولا جمل، فهم مجرد هياكل وأشكال يطبلون ويطبعون ويسوقون لسياسة “عبوسة”، لسياسة فارغة من محتواها ويفضلون مصلحتهم الخاصة على مصلحة المواطنين والشعوب.
بدا واضحا إذن، أنه لكي نتحدث فعلا عن المقاربة التشاركية لا بد من إشراك المواطنين والفاعلين في تحديد وتشخيص مشاكلهم ومعاناتهم والإنصات إلى آهاتهم وزفراتهم، وبالتالي مساهمة كل الأطراف من حاكمين ومحكومين في صياغة وإنجاز وتقييم المشاريع التنموية، وجعلها أكثر مطابقة وملاءمة للواقع، فالمقاربة التشاركية لا بد أن تعطي الأولوية للعامل البشري في كل مخططات التنمية، وذلك انطلاقا من كون الإنسان فاعل محوري في التنمية، مما يعطيه الحق في الاشتراك في السلطة واتخاذ القرار، بدل جعله مواطنا ممنوعا من الصرف وطبعه بطابعه المجهولية، وهذا ما نجده للأسف كلما اقترب الكرنفال الانتخابي، فالمقاربة التشاركية لا تقتصر على المشاركة في اللوائح الانتخابية وبيع الوهم للمواطنين وتحريضهم على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، من أجل بيع صوتهم لحزب معين، وإنما إشراكهم وهذا هو الرهان الحقيقي للمقاربة التشاركية، فهي تؤدي إلى حدوث نوع من الاستقلالية الفكرية بدل التبعية والخنوع للآخر، سواء كان القطاع العام أم المنظمات الدولية المانحة، بحيث يصبح المواطن فاعلا ومتفاعلا ومسؤولا، يمكنه اتخاذ القرار بنفسه والتحكم في مصيره واختيار الحلول لمشاكله وبالتالي تنمية نفسه بنفسه.
إن مشاركة الساكنة المحلية بواسطة المنهجية التشاركية، في البرامج التنموية، تحقق بواسطة وسائل وتقنيات تشاركية لجمع المعلومات من الساكنة السكان المحليين، وذلك بواسطة استخدام الاستبيانات والاستمارات والتواصل تقنيات ” العصف الذهني ” وغيرها، حتى يتم جمع جميع الآراء والأفكار المحلية للقيام بتحليلها وتشخيصها وتحويلها إلى أهداف تنموية، وهكذا فالمقاربة التشاركية باستعمالها لهذه الآليات فهي تمكن من تجنب مشاركة فئات ذات مصلحة معينة دون أخرى، وذلك عبر الجلوس المباشر والعمل في إطار مجموعات مع الفئات المعنية، وعبر استخدام خبير فني، قادر على تطبيق المنهجية التشاركية، قصد الوصول إلى الاحتياجات التنموية الدقيقة للمنطقة مكان الدراسة.