الشاملة بريس- إعداد: ابو نعمة نسيب – كريتيبا – البرازيل
الإعلام أضحى قوة فاعلة ومؤثرة على الكثير من مجريات الأمور والكثير من البشر يتابعون ما يحدث عبر وسائل متعددة من تلفزيون وصحف وانترنت وراديو، إنها السلطة التي غزت كل مجالات الحياة ولم تترك أي شاردة او واردة إلا باشرت النبش في مجرياتها والتأثير فيها وبواسطتها على شريحة مهمة من الناس. في وقت سابق خرجت قناة نيوميديا التابعة للنظام الجزائري بتقرير مفبرك حول صحة الملك محمد السادس على خلفية العلاقات غير الجيدة بين الجزائر والمغرب، تقرير تلك القناة كان محكوما بأجندة استخباراتية لا تمت للحقيقة بصلة سوى البروباغاندا المضادة للمغرب. كان لزاما على وسائل إعلامية رسمية وغير رسمية أن تتصدى لهذا العدوان الإعلامي الذي يشوش على السياسة الخارجية والداخلية للوطن. ومثل هذا المسلك الاعلامي نراه طبيعيا وضروريا ولا يدخل في الدفاع عن الأمن القومي للمغرب.
في هذا السباق المحموم من الطرف المهاجم الذي لا يبحث عما يقرب بين وجهات النظر للبلدين، كيف يمكن لوسائل الإعلام داخل المغرب أن ترد؟ هل تبلع تلك الاهانات والتحريض والكيد وتبقى ساكنة وكأن شيئا لم يحدث؟ الدور الإعلامي الحقيقي هو كشف الحقيقة وملابساتها ونشرها للعموم، فالاعلام المغربي ليس هو من خلق الوضعية الراهنة بل هي سياسات قديمة الكل يعلم صانعها.
الإعلام المغربي عندما يتناول المسألة الجزائرية فهو يدافع ويرد أو يحلل العلاقات المغربية الجزائرية باعتبار تاريخ تدخل الجارة الجزائر في قضية الصحراء المغربية التي تعتبر عند المغاربة قاطبة مقدسة، وإذ نتفق مع من يتحدث على أن ما يوحد البلدين أكثر مما يفرق بينهما وهو كثير نجد في الواقع السياسي أن من يطالب بالوحدة والاتحاد لا ينبغي له أن يشجع على الانفصال والتشظي وتصدير الأزمات.
هناك مبادرات كثيرة قام بها المغرب لتسوية أية خلافات ثنائية وبناء اتحاد مغاربي تستفيد منه دول شمال إفريقيا أمنيا واقتصاديا وسياسيا كتكتل وازن. وحرب الرمال بين الجارتين لم يكن المغرب البادئ في إشعالها بقدر ما كانت هناك صراعات بين أجنحة الحكم الجديد في الجزائر سنة 1963 أرادوا من تلك الحرب أن تكون غطاء لتحدياتهم وخادمة لطموحاتهم في السلطة، انه التاريخ الذي لا يمكن التنصل منه ولا علاقة للصحافة والإعلام المغربي في هذه المسألة. إن الدعوة إلى الاتحاد كما هو الحال في دول أوروبا جيدة لكن تنقصها ظروف هؤلاء القوم وعقلهم السياسي وذهنيتهم البرغماتية.
الإعلام المغربي بريء من أية دعوة تحريضية لزلزلة المنطقة أو إذكاء العداوة مع الجزائر، لكنه في مسار دفاعه عن توجهات قيادة بلاده الإستراتيجية فقد تجند لتوضيح مبادرة الحكم الذاتي في الأقاليم الجنوبية للمغرب، وأسس هذا الإعلام خطته الدفاعية على صدق وواقعية هذه المبادرة.
بالمقابل هناك منابر إعلامية جزائرية لا تمت للصحافة المهنية بصلة الا بالاسم فقط تقارب قضية الصحراء المغربية بأشكال يشتم منها رائحة التدخل في الشؤون الداخلية لدولة جارة. هنا نتساءل عن مدى المصداقية والحرفية في توظيف المعلومة التاريخية والقانونية والسياسية الحقيقية في تناولهم للعلاقات بين البلدين، الشيء الذي ينتج عنه تدخل إعلامي سافر وابتزازي.
لا شك أن الاستغلال السيئ وغير الأخلاقي ولا المدروس لوسائل الإعلام يمكن أن يؤدي إلى كوارث كبيرة، انه كالديناميت قوته التدميرية لا توصف لكن هذا لا يلغي أن استعمالاته الايجابية ضرورية لحياة المجتمع. فضرورة تطور الإعلام مرتبطة بحركية المجتمع ومنسوب الوعي والحرية إذ كلما كانت نسبة الحرية وتوفر المعلومة والمعطيات كان هناك إعلاما غير مكبل ويوضح ويدافع ويهاجم ويوجه بشكل اقرب للحقيقة. وهذا ما يسعى إليه كل الجسم الصحفي بالمغرب ويناضل من اجله، ولقد قطعت الدولة مسافات طويلة في ترسيخ قيم ديمقراطية تؤسس لصحافة مسؤولة ومجتهدة في مقاربة مجموعة من الملفات الحساسة. ونحن نعلم أن المغرب عبر تاريخه لم يكن مدافعا عن الشر أو مشجعا على الحرب أو معلنا لها نقول بان الإعلام المغربي في تناوله لعلاقة الجزائر مع المغرب كان مدافعا أكثر منه مهاجما.
لا يمكن لأي كان أن يتوب عن حبه لبلده والدفاع عنها وخصوصا جنود سلطة الإعلام الذي يتمترسون في مواقعهم الصحفية ضد من تسول له نفسه مهاجمة مصالح المجتمع في الداخل أو القادم من الخارج مهما كانت الظروف والملابسات. وحتى لا نكون طوباويين فالعلاقات بين الجارين تحكمها محددات كثيرة من أهمها بنية الحكم القائم بالجزائر ونظرته غير الواقعية لقضية وحدتنا الترابية، ونعتبر أن حل معظم الإشكالات بين البلدين يمر عبر هذا الطريق الكفيل بإعادة القطار إلى السكة. والإعلام دوره هنا هو التثبت من الحقائق وصياغتها بمصداقية حتى يطلع عليها عموم الشعب، فلا يخفى أن المغرب دأب على جعل العلاقات البينية مع الجزائر طبيعية.
من أجل دحض حجة من يدعي أن الأقلام الصحافية المغربية تسعى إلى إشاعة الفوضى ونشر العداوة مع الجارة الجزائر، نقوم باستقراء موقف المغرب من الحرب التي يدعي النظام الجزائري أن الرباط كانت البادئ فيها، ولنستمع إلى الملك الراحل الحسن الثاني في معرض رده على اقتراح الجنرال الكتاني بالتوغل داخل الصحراء في العام 1963 حيث قال: “لما عرض علي اقتراحه قلت له: صديقي العزيز، إن ذلك الهجوم لن يجدي نفعا، فأنا انطلق من مبدأ إن الإنسان عندما يحارب أحدا فإنما يفعل ذلك ليعيش في سلام على امتداد جيل على الأقل. فان لم نكن متأكدين من أن السلم سيتحقق طيلة ثلاثين عاما بعد الانتصار على الخصم، فإنه من الأفضل تجنب القيام بعملية عسكرية، وإلا كنا قد شوهنا الحاضر وعرّضنا المستقبل للخطر، وتسببنا في مقتل أناس وصرفنا الأموال لنعيد الكرة بعد أربع أو خمس سنوات”.
إذن أمام هذه النظرة الإستراتيجية التي بلا أدنى شك لازالت مستمرة إلى عهد الملك محمد السادس لا يمكن لأي إعلامي مهما كانت براعة قلمه أن يزعزع هذه القناعة ويشعل فتيل حرب أو فتنة بين الجزائر والمغرب، وفي الآن نفسه فالصحافة المغربية كانت مجندة للدفاع عن قضايا المغرب والتعريف به كدولة تحترم نفسها وتدافع عن سيادة أراضيها ضد أي محاولة تجزيء أو انفصال وهذا واقع تفرضه الوقائع والنوازل بعيدا عن أي حلم او فكر طوباوي.