الشاملة بريس-بقلم \ الكاتب و المفكر خالد محمود عبد اللطيف
رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
مما لاشك فيه أن العالَم في تطوُّر مُستمرٍّ، متعطِّش إلى التقدُّم والرقيِّ وتكوين حضارته، والإنسان هو المِحوَر الأول في هذا الكون وفي الحضارة، وتَختلِف وجهات نظر هذا الإنسان في بناء هذه الحضارة، كلٌّ حسَب ثقافته وتكوينه؛ فمنهم مَن يصنَع حضارةً وهميةً لا علاقة لها بالواقع، ومنهم مَن يُخطِّط لإقامة حضارة جامِدة تَصطدِم مع كل جديد، ومنهم مَن يمنِّي نفسه بحضارة مُتحرِّرة مِن كل القيود، ومِن المُمكن أن نُسميها مجازًا حضارةَ التسيُّب والميُوعة، ومنهم ومنهم.
لكن الحضارة الحقيقيَّة البنَّاءة التي لا اعوجاج فيها هي الحضارة التي تحقِّق السعادة للكائنات كلِّها، وتُحقِّق للإنسان على وجه الخصوص سعادةَ الدنيا والآخِرة، وشرط هذه الحضارة البناءة أن يكون لها هدف نبيل يَشمل جميع جنبات النفس البشرية، كما يشمل الواقع الذي نَعيش فيه، والناظر إلى الحضارة المزعومة الآن التي يُصدِّعون بها الأَدمغة، ويَصِفونها بأنها حضارة التقدُّم والرُّقيِّ، وأن مَن تخلَّف عنها قِيد أُنملة فقد عجَن نفسه في مُستنقَع التخلُّف، وأن الحضارة يجب أن تتحرَّر مِن كل شيء وتَنسى كل شيء، ولا يكون في ذاكرتِك وكيانك إلا الارتماء في أحضان الغرب.
لي سؤال: هل الحضارة الغربية التي يتلهَّف عليها أصحاب التحرُّر والتحلُّل حقَّقت لنفسِها السعادة حتى تحقِّق ذلك لغيرها؟
الواقع الغربي يُجيب عن هذا السؤال، فإن ما نراه مِن أزمات نفسية طاحِنة تُهدِّد عرش الغرب، وما نراه من كثرة الانتِحار هناك، ومِن أزمات اقتصادية، وتناحُرات ومُشاكسات حربيَّة – لأكبَر دليل على فشل هذه الحضارات؛ لأن أصحابها اعتَمدوا في بناء هذه الحضارات على أساس واحد، وغفَلوا أو تغافَلوا الأساس الآخَر، وهذا الأساس هو تركيزهم على إشباع الجانب المادي، والوصول بالنفس إلى قمَّة الترَف وتتبُّع النزوات البشرية، ولو وصَلت بهم هذه النزوات أن يُقلِّدوا الأنعام؛ وصولاً للمُتعة والشهوة، وهذا هدف غير نبيل؛ لأن أصحابه وثَّقوا علاقتهم بكل ما هو أرضيٌّ، وقطعوا صِلتَهم بالسماء.
إن مثل هذه الحضارة – وإن أطلَق عليها أصحابها أنها حضارة حديثة ومُتجدِّدة ومُتطوِّرة – حضارةٌ ساقطةٌ؛ لأن حبالها مقطوعة عن نور السماء؛ نورِ الوحي، فهي حضارة معلَّقة بين السماء والأرض، تَسقط في أي وقت مهما بلغت مِن قوة، ومهما علَت على العالَم بمكانتِها، والذي أخبَرنا بذلك هو ربُّ الحضارات؛ ﴿ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [الحج: 31].
ولقد سقَطت جميع الحضارات المقطوعة عن السماء، وترك الله للعالَم كلِّه آثار هذا السقوط؛ كي نَعتبِر ونَسير المسار الحقيقي المُعتدِل في بناء الحضارات؛ فمثلاً: حضارة عاد التي لم يُخلَق مثلها في البلاد، ماذا كان مآلها؟ قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ﴾ [الفجر: 6]، فأين عادٌ وأين حضارتها؟
وحضارة أُخرى أُعطيَت مالاً وملكًا، حتى امتلأت خزائنهم بالأموال التي لم يَستطِع أهل القوة حملها، ماذا كانت النهاية؟ قال تعالى: ﴿ إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ﴾ [القصص: 76]، فكان المصير: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81].
وحضارة أخرى نجد ريحَها الآن، وهي حضارة الجنون بالمُلكِ والسلطان، حتى يصل الأمر إلى الظنِّ بأنهم يَملكون مقاليد الكون، وأن العبودية لا بدَّ أن تكون لهم: ﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ [الزخرف: 51] ﴿ فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 24]، ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، فماذا كانت نهاية هذه الحضارة؟ ﴿ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ﴾ [البقرة: 50].
وفي العصر الحديث سقط الاتحاد السوفيتيُّ، وسقَطت أمريكا اقتصاديًّا في الإعصار المالي، وسقَط المُلوك الظالِمون على أيدي شعوبهم، والبقية تأتي.
هذا هو مآل كل الحضارات المُتغطرِسة التي قطعَت صلتها بالله واعتمدت فقط على الجانب المادي، الحضارات التي بعدتْ عن نور الوحي والسماء ولم تُعطِ الروح حقَّها ولم تُشبِع رغباتها، ولم يبقَ على مرِّ الزمان إلا حضارةٌ واحدة فقط، وإن خَفَتَ نورُها قليلاً؛ بسبب ما يُصيب أصحابَها مِن وهَنٍ وضَعفٍ وبُعدٍ في بعض الأحيان عن نور ربِّها، ولكن سرعان ما يُهيئ الله لها مَن يُجدِّد هذه الصلة ويجعلها حضارة القيادة والريادة، ﴿ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [الصف: 8]؛ وذلك لأن كل حضارة ناجحة لا بد أن يكون لها بابان مجموعان في قوله تعالى: ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾ [القصص: 77].
الباب الأول للحضارة الباقية والمحقِّقة لأهدافها: ﴿ وَابْتَغِ ﴾.
والباب الثاني: ﴿ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ ﴾.
فجمعَت بين الروح والجسد، والعقل والقلب، والدنيا والآخِرة؛ فهي حضارة مُتوازِنة؛ وذلك لأن مصدرها شريعةٌ ربانية، جمعَتْ بين الثبات والمرونة في وقت واحد، ولم ولن تجد ذلك إلا في هذه الشريعة الإسلامية، فهي تحافظ على المنهج، وتُضيء الواقع، والثبات والمرونة أمران أساسيان في كل حضارة تأمُل الخلود وبلوغ الآفاق؛ لأنها بهاتَين الميزتَين تكون صالِحةً لكل زمان ومكان، وذلك بخلاف التشريعات البشرية؛ فإنه يَستحيل أن تُحقِّق هذه التشريعات مصالِح العباد؛ لأنها إن راعت المنهج المكتوب لها في دستورها، لا تستطيع أن تُراعي الواقع، وإن راعته في وقت، لا تستطيع أن تُراعيَه في وقت آخَر؛ لذا نحتاج في كل مرحلة إلى تشريعات جديدة وهكذا، كما أن هذه التشريعات البشرية مُختلفة مِن بلد إلى آخِر، وما ينفع لبلد لا يَنفع للأخرى وهكذا يَسير العالم حول نفسه لا يستقِرُّ على حال.
لكن شريعة الله التي جمعَت بين الثبات والمُرونة، المنهج والواقع، فمع أنها نصوص مقدَّسة ثابتة نتعبد لله بها في محرابنا، كذلك نتعبَّد بها لله في حياتنا، لا فصل بين المِحراب والحياة، ولا فصل بين الدين الإسلامي والدنيا؛ فالله أمرنا أن نجعل الكتاب حاكمًا بيننا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ ﴾ [النساء: 105]، وقال سبحانه: ﴿ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [البقرة: 213]، فالكتاب حاكم بين الناس، وليس مفصولاً عن واقعهم.
وأكثر الذين يَتحجَّجون بفصل الدِّين عن الدولة، وعدم تحكيم الشريعة الإسلامية – يَقولون: إن نصوص الشريعة مُتناهيَة، والأحداث والوقائع غير مُتناهيَة، فكيف نُحكِّم المتناهي في غير المتناهي؟
أقول لهم:
لقد طُبقتْ هذه الشريعة على مرِّ العصور، وكل عصر منهم يُخالف الآخَر، فقد طبَّقها رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في جزيرة العرب، ولما انتشر الإسلام خارج جزيرة العرب حكم كذلك، وحكم به المسلمون في بلاد الفرس والروم، وكل بيئة مِن هذه البيئات تَختلف عن أختِها، كما أن الوقائع والأحداث مُتغيِّرة ومُتكاثِرة؛ فليست بيئة جزيرة العرب كبيئة الفرس والروم، وهكذا في كل البيئات، ويُضاف إلى ذلك أن أحكام الشريعة الإسلامية تتسم بالمرونة بما يتناسب مع العصر دون خروج عن النص، وأنها تَصلُح للتطبيق في كل وقت، وهذا مثال تطبيقي على ذلك، وهو: أن عمر – رضي الله عنه – لم يُعطِ في سنةٍ مِن السنوات سهم المؤلَّفة قلوبهم، مع أن النص القرآني واضح في إعطاء المؤلَّفة نصيبًا مفروضًا مِن الزكاة؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [التوبة: 60].
فالذي لا يفهم حقيقة الشريعة الإسلامية يقول: “عمر – رضي الله عنه – عطَّل النص”، ولكن الأمر بخلاف ذلك؛ فالفاروق تعامل مع النص بدائرتَي الثبوت والمرونة، فالنص ثابت وموجود، ولكن أين المؤلَّفة قلوبهم حتى يُنزِّل عليهم النص ويُعطيهم حقهم؟ هذه هي أحكام الشريعة الإسلامية التي تتعامل مع نصوص وواقع، فلا تُهمِل النص ولا تُغفل الواقع، وهذا ما علَّمه سيد البشرية – صلى الله عليه وسلم – حيث قال لأصحابه: ((لا يُصلينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة))، فأدرك بعضَهم العصرُ في الطريق، فقال بعضهم: “لا نصلي حتى نأتيها”، وقال بعضهم: “بل نُصلي؛ لم يُردْ مِنا ذلك”، فذُكر للنبي – صلى الله عليه وسلم – فلم يُعنِّف واحدًا منهم”؛ متفق عليه، فهذا نصٌّ واضح: ((لا يُصلينَّ أحدٌ العصر إلا في بني قريظة))، ورغم ذلك تعامَل الصحابة مع النص بمرونة، وهذا لا يُخالف: “لا اجتهاد مع نص”؛ لأنه يَجوز الاجتهاد في فهم النص، والتعامُل معه بما يُناسِب الأحداث دون إهمال لهذا النص، وهو كذلك في هذه الحالة، فهناك عامل مُشترك بين الفريقَين توافَقا عليه، وهو أداء الصلاة، ولكن الاختلاف وقع في وقت هذا الأداء، مع أن النص واضح.
وكذلك حادثة تأبير النخل تبيِّن لنا أن الشريعة الإسلامية ليست نصوصًا جامدة، ولكنها صالحة للتطبيق؛ فعن موسى بن طلحة عن أبيه – رضي الله عنه – قال: كنتُ أمشي مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فمرَّ بقوم في رؤوس النخل، فقال: ((ما يصنع هؤلاء؟)) قلت: يُلقِّحونه؛ يَجعلون الذكر في الأنثى، قال: ((ما أظن ذلك يُغني شيئًا))، فتركوه فشيص، فأُخبر به النبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: ((إن كان ينفعهم، فليَفعلوه))، وموضع الشاهد هنا قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن كان ينفعهم، فليفعلوه))، وهذا هو عَين ملاحَظة الشريعة للمصالِح.
ومن الأمثلة التي تُبيِّن ثبات نصوص الشريعة ومُرونتها في التطبيق، وهذا المثال عظيم القدر، وفَّقني الله في أن أخرج منه هذه الفائدة العظيمة، وهي ما حدث بين أبي بكر الصدِّيق ومانِعي الزكاة، فأبو بكر يقول: “لأقتلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة”، مع أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ((أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله))، وعمر – رضي الله عنه – لا يُوافِق على قتالهم ما داموا يَشهدون الشهادة، ويُقيمون الصلاة، والصدِّيق – رضي الله عنه – مُصمِّم على قِتالهم، وكأن أبا بكر يقول للأمة كلها: النص ثابت، ولكن لا بدَّ مِن مراعاة الواقع الذي نعيشه، فمَن فرَّط في أداء الزكاة والعهد قريبٌ برسول الله – صلى الله عليه وسلم – فسوف يُفرِّط بعد ذلك في الصلاة، بل ومِن المُمكِن أن يُنكِرها ثم يَنسحب الأمر على الصيام والحج، فالواقع – رغم ثبوت النص – يحتِّم على الصدِّيق أن يَستخدِم مُرونَة الشريعة في فهم النص، بل إن الصدِّيق راعى أمرًا آخَر، وهو أن منْعَ هؤلاء للزكاة يؤثِّر على الناس اقتصاديًّا ودينيًّا، فإن الأغنياء إن بَخلوا وعطَّلوا فريضة الزكاة، فهذا يُعرقِل حركة الإنتاج؛ لأن الفقير لا يَجد له المورد الذي يَكتفي به، ويُحقِّق مِن خلاله اكتفاءً ذاتيًّا بهذا المال الذي يَأخذه مِن الغَني بأن يُفكِّر في مشروع صغير يُدرُّ عليه الربح؛ بحيث يَستغني بعد ذلك عن هذا المال، وبذلك يَنتعش الاقتصاد، وهذا التصرُّف مِن أبي بكر – رضي الله عنه – يُبيِّن مرونة الشريعة ومراعاتها للمَصالح، ودرء المفاسد المترتِّبة على هذا المنع، وكأن أبا بكر – رضي الله عنه – يقول للأمة الإسلامية: إنه لا فرق بين الصلاة التي هي حقٌّ لله، وبَين الزكاة التي هي حقٌّ للعباد؛ لأنه لا فصلَ بين الدِّين والدنيا، والشريعة جاءت لتُحقِّق هذا التوازن.
وأخيرًا أُقرِّر هذه الحقيقة الثابتة على مدار التاريخ، والتاريخ بأهله المُنصِفين يُقرِّر ذلك أيضًا، وهو أن المسلمين هم الذين شيَّدوا الحضارة، وذلك بسبب تمسُّكهم بشريعتهم، وقد ظهرت أسماء لامعة على مستوى العالَم أجمع، مثل: أبي بكر الرازي، وابن سينا، وابن رشد، والزهراوي وغيرهم مِن المسلمين، وكتُبُ هؤلاء انتشرَت في العالَم مثل: “الحاوي” للرازي، و”القانون” لابن سينا، و”الكليات” لابن رشد، و”التصريف لمن عجز عن التأليف” للزهراوي، بل وجدنا مِن علماء المسلمين الفقهاء مَن يُجيد الطب؛ فابن رشد نفسُه كان فقيهًا، وألَّف كتابه: “بداية المجتهد ونهاية المقتصد” في الفقه المقارن، و”الضروري” في أصول الفقيه، وفخر الدين الرازي صاحب الكتُب الشهيرة في التفسير والأصول وعِلم الكلام وغيرها، ومع كل ذلك فقد قالوا عنهما: “كانت شهرتهما في عِلم الطبِّ لا تقلُّ عن شهرتِهما في علوم الدين”، وابن النفيس مُكتشِف الدورة الدموية الصُّغرى يُعدُّ مِن فقهاء الشافعية، وترجَم له تاج الدِّين السبكي في كتاب “طبقات الشافعية” على أنه أحد فقهاء هذا المذهب.
وقد شهد بفضل الحضارة الإسلامية على الحضارة الأوربية أبناؤها؛ يقول الفيلسوف الفرنسي “جوستاف لوبون” في كتابه “حضارة الغرب”: “هل يتعيَّن أن نَذكُر أن العرب – والعرب وحدهم – هم الذين هدَونا إلى العالَم اليوناني والعالم اللاتيني القديم، وأن الجامعات الأوربية – ومنها جامعة باريس – عاشت مدة ستمائة عام على ترجمات كتُبِهم، وجرَت على أساليبهم في البحث، وكانت الحضارة الإسلامية مِن أعجَب ما عرَف التاريخ“.
وتقول زيجريد هونكه الألمانية في كتابها “شمس الله تُشرِق على الغرب”: “إن أوربا مَدينة للعرب وللحضارة العربية، وإن الدَّين الذي في عنُق أوربا وسائر القارات للعرب كبيرٌ جدًّا، وكان يتعيَّن على أوربا أن تعترف بهذا الفضل منذ زمن بعيد، لكن التعصُّب واختلاف العقيدة أعمَيا عيونَنا وتركا عليها غِشاوةً، حتى إننا لنقرأ ثمانيةً وتسعين كتابًا ومائة، فلا نجد فيها إشارة إلى فضل العرب وما أسدَوه إلينا مِن عِلم ومعرفة، اللهم إلا تلك الإشارة العابرة إلى أن دور العرب لا يتخطَّى دور ساعي البريد الذي نقَل إلينا التراث الإغريقي!”، وقالت في نفس الكتاب: “وفي مراكز العِلم الأوربية لم يكن هناك عالِم واحد إلا ومدَّ يده إلى الكنوز العربية يَغترِف منها، وينهَل كما يَنهل الظامئ مِن الماء العذب، ولم يكن هناك ثمَّة كتاب واحد مِن بين الكتُب التي ظهرَت في أوربا في ذلك الوقت، وإلا وقد ارتوت صفحاته بوفرة مِن نبع الحضارة العربية“.
هذه هي شريعتنا التي أنتجَت حضارةً شهد المُنصِفون مِن غير المسلمين بأنها صنعت الحضارات الأخرى، فهل مِن عودة إلى شرع الله؟!