التوازن النفسي وعلاقته بالواقع الاجتماعي

التوازن النفسي وعلاقته بالواقع الاجتماعي

الشاملة بريس: بقلم- أحمد بوهمان

يسعى الإنسان دائما وبحكم تكوينه إلى بلوغ حالة من التوازن النفسي. فالعقل البشري وفي علاقة متواصلة بمجموع مكون الجسد الإنساني يتضمن عدة آليات ومكنزمات  تنظم نشاطه. فالإحساسات والمشاعر البشرية قد تكون عبارة عن ردود أفعال ناتج عن رسائل ومهيجات نفسية  داخلية ترتبط أساسا باللاشعور الفردي, كرواسب الطفولة المكبوتة أو الميولات الغريزية والجنسية…، كما قد تكون خارجية كالصوت والصورة والاحتكاك المباشر مع الواقع المادي… لكن ما التوازن النفسي؟ وكيف يمكن الوصول إلى حالة التوازن السيكولوجي؟ وما علاقة الشروط الخارجية والبيئة الاجتماعية بالتوازن النفسي؟ وهل الهروب من الواقع الاجتماعي وتجاهله يؤثر على الاستقرار النفسي؟

إن الحديث عن موضوع بقيمة سيكولوجية، لا يستقيم إلا من خلال الوقوف على دلالة الكلمات والألفاظ المؤطرة له، فهناك بعض المفاهيم المرادفة أو المشابهة للتوازن النفسي نذكر منها: الثبات النفسي، التوافق النفسي،الثبات الانفعالي، والقوة النفسية وغيرها…والتوازن النفسي في تقديرنا حالة انفعالية ناتجة عن تفاعل مجموع المكونات العاطفية والعقلية المرتبطة بالبيئة، والتي تولد حالة من الراحة والثبات السيكولوجي.

لقد انتصرت الإحصاءات الميدانية التي اعتمد عليها عالم الاجتماعي الفرنسي “اميل دوركايهم” في كتابه الانتحار Le suicide  إلى نتيجة غير متوقعة في نظر الكثير من الناس، ألا وهي أن سبب الانتحار بنسبة كبيرة هو اجتماعي وليس نفسي، فالتفكك الأسري كان له النصيب الأكبر في إقدام عدد كبير من الأفراد على ذلك الفعل. ومنه فالاختلالات النفسية، والاضطرابات المصاحبة لها لا تنفصل ولو جزئيا على المحددات الاجتماعية والبيئة المحيطة بالفرد. حيث أن الشخص يعتمد على مجموعة من الآليات والوسائل المباشرة وغير المباشرة للتواصل مع الواقع، ومن خلال تلك الشروط تثبت مشاعر عاطفية تقوم بواجبها في علاقة من العقل، وهذه المشاعر عندما يتم دمجها مع الرغبات الإنسانية تأخذ حيزا معينة في بناء شخصية الفرد، وبالتالي قد تساهم بشكل كبير في تشكيل  قرارات الأشخاص وأنماط السلوكاتهم  اليومية.

فالطفل الصغير يكتسب شخصيته انطلاقا من تقليد الآخرين, و المحيط الاجتماعي عامة ، وذلك عن طريق التنشئة الاجتماعية باعتبارها القناة التي يتم من خلالها نقل ثقافة، وسلوكات، وعادات المجتمع إلى الأفراد،  ومن خلالها يتشبع بالمبادئ وبالقيم التي  تشكل الجزء الأساسي في بناء الشخصية المستقبلية. لكن حينما تتعارض كل تلك المبادئ مع الواقع الاجتماعي يشعر الشخص بحالة من التردد والشك وعدم القدرة على مجابهة المشاكل الحياتية. ويزداد الجرح عمقا حينما تقدم الذات على فعل المقارنة بينها وبين باقي الذوات الأخرى. وتكون النتيجة إما الخنوع والانكماش على الذات، والذي قد يصل إلى درجة الارتداد والعدوانية والتعنيف الذاتي (التعاطي للمخدرات والكحل… بشكل جنوني) والاضطرابات الهستيرية. وإما أن الفرد يلجأ إلى إستراتيجية الهروب من الواقع الاجتماعي الفعلي، والتشبث المفرط بالواقع الافتراضي والخيال. وهنا تميل لأنا إلى حياة العزلة والكذب و إلى العالم الافتراضي لتفريغ كل المكبوتات.

ويتحقق التوازن النفسي كخطوة أولى بقبول الذات كما هي: فالاعتراف بغرائزنا وعواطفنا باعتبارها جزءا منا بعيدا عن شيطانيتها يساهم في هذا القبول بالذات، يلي ذلك طبعا التحلي بالواقعية في التعامل مع المشاكل الحياتية، والإيمان بسيرورة الحياة (وتستمر الحياة)وعدم استقرارها الاقتصادي والاجتماعي. ومن بين الوسائل التي تنقل الذات من الواقع إلى الخيال قد نجد بعض أنواع الموسيقى، والأفلام التي تزج بالأفراد في دوامة من الإحباطات، وتمدهم بأفكار متعارضة مع الواقع ، وتشعر الشخص أحيانا انه ضحية من ضحايا اقرب المقربين له، وقد تصل إلى درجة  تغرقه بوابل من الدموع والتحصر والحزن. وهذه من علامات الاستسلام والانهزام للضعف النفسي.

 فالمشاكل الاجتماعية تشبه الكرة الثلجية كلما تم الهروب منها كبرت وازداد حجمها، وأصبحت أكثر خطورة، بحيث يستحيل إيقافها، لكن كلما أقدم الفرد مسرعا لمواجهتها سهل عليه تحطيمها وربما استثمارها لما ينفعه.

ويساهمون الأفراد المحيطون بنا، وكذلك وسائل الإعلام (نشر أخبار زائفة، مقاطع فيديو، رسائل…) بشكل كبير في التأثير سلبا أو إيجابا في هدم أو خلق التوازن النفسي، وذلك  عبر التدخل الايجابي أو السلبي،  المباشر وغير المباشر.

ولا ننكر عزيز القارئ، أن للرياضة بأشكالها المختلفة واللعب  دورا فعالا في خلق حالة من التوازن النفسي، إلى جانب هذا أيضا تساهم    البيئة الطبيعية بشكل كبير في بلوغ الراحة النفسية وبالتالي جعل  العقل سليم قادر على التحكم في كل الانفعالات السلبية،  والمعيقات الخارجية التي تروم العصف بمزاج الشخص وترمي به في بحر الكآبة والاهتزاز. فهناك فرق كبير بين استنشاق هواء في جوف الطبيعة والبحر، وأخر في عمق وضجيج المدينة: فالأولى تمدك بيقين قل له نظر، والثاني يحرمك من نوم ينسيك شقاء التراكمات اليومية والعمل المرهق و الشاق… لتستمر الحياة.

شاهد أيضاً

سيدي سليمان: تهنئة بمناسبة ازدياد مولود جديد

سيدي سليمان: تهنئة بمناسبة ازدياد مولود جديد الشاملة بريس بالمغرب وأوروبا- البخاري إدريس ازدان فراش …

تعزية ومواساة في وفاة والد محمد برحيلة

  تعزية ومواساة في وفاة والد أخينا الأستاذ محمد برحيلة   الشاملة بريس- بالمغرب وأوربا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *