هل يستوعب المغرب درس الرئيس الأمريكي ترامب؟
الشاملة بريس- بقلم : عبدالنبي التليدي
إنه فعلا درس يجب استيعابه اليوم قبل غد لان حياة الدول كحياة الأفراد ليس مفروشا بالورود بل هي مفاجآت بعض منها قد يكون اخطر أكثر مما يتوقع ولأن الاختيارات الصائبة والحكيمة كالشجرة الطيبة تؤتي أكلها الطيب لان أصلها ثابت وفروعها في السماء ويجب بكل تأكيد ومسؤولية استيعاب الدرس من طرف الذين :
_ رفعوا أيديهم عن التعليم العمومي الذي تم توجيهه لتفريخ أفواج من الضباع ، حسبما تنبأ البروفيسور محمد جسوس ، من المدارس وتخريج أشباه الأميين وجيش من العاطلين من أبناء الفقراء و المعوزين، وليس أشباه المثقفين حتى ، من الجامعات لأنها تحولت إلى بؤر للفساد بعدما أصبح الجنس فيها مقابل النجاح والمال الحرام مقابل التسجيل فيها أو والحصول على الشواهد..
لأنها سياسة اعتمدت التجهيل والعبث وسياسة ” كولوا العام زين ” بالإضافة طبعا إلى سياسة المهازل ومهرجانات التفسخ والانحلال البعيدة عن قيم المغاربة وعن أخلاق الأجداد والآباء التي تدعم أسس الأمة ودوامها ، ” وهز البطن ” ، تلك السياسة التي عمت المجتمع المغربي و وشجعت السخافة وتم الإغداق فيها على الأميين وتقديمهم على المثقفين في شتى القطاعات التي من شأنها أن تلهي المواطنين وتخدر الشباب والشابات ، و سلكتها الدولة .
_ و فتحوا بدل التعليم العمومي الأبواب على مصراعيها للقطاع الخاص حيث يدرس أبناء المتنفذين من المتحكمين والمتمكنين والأغنياء ، لتخريج نخبة المستقبل لتدبر شؤون البلاد والعباد بما يحافظ على المصالح السياسية والمالية التي تراكمت ولتبقى وتدوم ، و لتسند إليها الوظائف الأساسية و الهامة في الدولة ، والمهام العليا في القطاعات الحساسة السياسية والاقتصادية المدرة والمربحة .
وحيث اضطر بعض الآباء من الطبقة المتوسطة إلى تسجيل أبنائهم جراء إفلاس التعليم العمومي ، في مدارس ثبت حسب التجربة إن كثيرا منها يفتقر إلى الشروط الضرورية لكل تعليم جيد لافتقادها إلى الموارد البشرية المكونة تكوينا لائقا ، والى الجودة في وسائل التدريس وأساليبه ، مع ترجيح الرغبة في الربح لدى أصحابها ، بأقرب الطرق من دون تقدير للنتائج .
وهكذا أضحى التعليم في المغرب طبقيا ومختلا وغير ذي جدوى في تنمية البلاد وتقدمها بناء على سياسة أضاعت الزمن والمال والفرص ؛ وها هي كورونا تعري واقعنا وتشهد ان الاختيارات في القطاعات الأساسية ومنها التعليم والصحة والخدمات لم تكن حكيمة ولا ذات بعد نظر بل تغلبت فيها مصالح الأقلية الفرانكفونية والنيوليبرالية على المصالح العليا للجماعة والوطن ، اضطرت معها الدولة اللجوء إلى عدة إجراءات في شتى الميادين لم تكن مهيأة لها لمواجهة خطر الوباء مثل التعليم عن بعد لأنه يفتقد إلى البنية التحتية والى الوسائل اللازمة للتعميم.
_ وأغلقوا الأبواب في وجه الأدمغة من علماء ومثقفين وأهملوهم عن سابق إصرار من خلال سياسة سادت وما زالت على أيدي مسئولين نظروا إلى التعليم نظرة مريبة باعتباره وسيلة للفهم و لاكتساب الوعي والمعارف وهو ما ليس في صالح المتحكمين ولا المتمكنين حسبما اعتقدوا خطا ، وأهملوا البحث العلمي في الجامعات الذي تقلصت النسبة العامة من الميزانية المخصصة له إلى أدنى نسبة بالمقارنة مع كثير من دول العالم التي تحترم دورها في هذا الشأن ، تلك الميزانية التي تم توجيهها كما أسلفت القول ؛ لقطاعات تافهة ومفسدة للقيم وللناس.. فهاجرت تلك الأدمغة خارج وطنها الأصل إلى ارض الله الواسعة..
وها هو واحد اسمه منصف السلاوي ابن أسرة فقيرة من دشيرة ناحية أكادير درس في التعليم العمومي، يعطي مثالا للجميع في المغرب ، لأنه اضطر إلى الهجرة إلى الولايات المتحدة حيث تجنس بجنسينها بعد أن حاول بعد حصوله على الدكتورة في بلجيكا ، خدمة قطاع الصحة في المغرب في ميدان اختصاصه وإلقاء محاضرات في الجامعة المغربية ولو من دون مقابل لان غرضه كان هو خدمة وطنه في مجال اختصاصه ..
لكن يا للعار ؛ أغلقت الأبواب في وجهه فغادر منذ ما يزيد عن ثلاثين سنة إلى حيث دولة الحريات وحقوق الإنسان والبحث العلمي والاهتمام بالعلم ورجاله وبالأدمغة وأصحابها، ونعم به ما فعله لأنه لو قدر له البقاء في الأرض التي ولد فيها لكان حاله آخر ؛ إلا إذا سلك سبل الانتهازية والوصولية من خلال البحث عن الريع بأقصر الطرق ولو كانت فاسدة وعن طريق انتخابات غير نزيهة يفوز فيها مرتزقة العمل السياسي يفسدون في الأرض ولا يصلحون ..
فهل يستوعب المسئولون في المغرب الدرس من ترامب الذي صفق ومعه الولايات المتحدة للدماغ المهاجر منصف السلاوي ذي الأصل المغربي ؟
بعد أن عينه رسميا يوم الجمعة بالبيت الأبيض ، مشرفا علميا على عملية “Warp Speed ” التي تهدف إلى التوصل” على وجه السرعة” إلى لقاح مضاد لمرض كوفيد- 19.
وأعلن رئيس الولايات المتحدة من حديقة البيت الأبيض “نحن فخورون بأن نعلن ، أن كبير العلماء في عملية Warp Speed سيكون الدكتور منصف السلاوي ، عالم المناعة ذي الصيت العالمي والذي ساعد على إيجاد أربعة عشر لقاحا جديدا ، خلال عشر سنوات من عمله بالقطاع الخاص”.
ووصف الرئيس ترامب الدكتور السلاوي بأنه “من أكثر الرجال الذين يحظون بالاحترام في العالم في مجال إنتاج اللقاحات“.